دمشق | التطورات الأخيرة في الحدث السوري تترك انطباعاً عميقاً لدى المراقب الحيادي بأن مصلحة الخارج في امتطاء صهوة الاحتجاجات الداخلية مسألة حقيقية للغاية. هكذا، لا يترك الموقف الدولي، ممثلاً بالموقف الأميركي، فرصة لتطبيق إصلاحات حقيقية يعلنها النظام السوري، ولا سيما بعد دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما نظيره السوري إلى التنحّي. فكيف ينظر بعض رموز المعارضة السورية وبعض الشخصيات الموالية للنظام إلى التطورات الأخيرة. أمين التحرير في جريدة «البعث»، الصحافي عدنان عبد الرزاق، يقول لـ«الأخبار»: «أعتقد أن التناسب يسير عكسياً بين ما يجري على الأرض في سوريا والتصريحات والضغوط الخارجية، سواء كانت عربية أو دولية، فكلما شعر السوريون بأن الإصلاح بدأ حقيقة بالتسارع على الأرض احتدمت المواقف الخارجية بنية تأجيج الوضع في سوريا».
ويشير عبد الرزاق إلى مسألة ضرورية، فيقول «الأزمة بدأت داخل سوريا وليس لها أي حلول إلا من الداخل، وواهم من يظن أن الخارج قادر على تقديم حلول منطقية أو أنه مهتم بإنهاء الأزمة بالأصل، وفي الوقت ذاته لا يمكن التقليل من شأن الضغوط والتصريحات الخارجية، لأنها في حقيقة الأمر تسهم في مضاعفة الحالة وزيادتها سوءاً».
إلا أن الصحافي المعارض، فرحان المطر، يختلف مع عبد الرزاق، معتبراً أن ما صدر عن الرئيس السوري من إنهاء العمليات العسكرية ليس صحيحاً ومجرد محاولة لكسب الوقت. أما بالنسبة إلى موقف المجتمع الدولي، فيرى أنه «تأخر كثيراً». ويضيف: «نحن ضد التدخل الخارجي، ولكننا لن نمنع العالم إن أراد وقف شلالات الدم بحق شعبنا، وذلك من خلال الضغوط الحقيقية والجدية والمحاكمات الجنائية، على اعتبار أن النظام يجر البلد إلى نفق التدخل الدولي».
أما الكاتب والمخرج المسرحي السوري أحمد كنعان، فله موقف آخر، إذ يقول لـ«الأخبار» «ليس هناك من جديد في تصريحات أوباما ووزيرة خارجيته سوى أن موقف الإدارة الأميركية من النظام السوري صاراً معلناً. فالرئيس السوري يعي تماماً منذ تسلّمه السلطة أن هناك نيّة مبطنة لإبعاده عن الحكم من قبل الإدارة الأميركية متمثلة في من يصل إلى البيت الأبيض من الرؤساء». ويلفت إلى «أن تصريح الأسد عن نهاية العمليات العسكرية لا يعني نهاية الاحتجاجات، بل يعني القضاء على العصابات المسلحة، ليبقى للتظاهر السلمي سياسة أخرى في التعاطي من قبل الدولة. لكن تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن انتخابات قبل نهاية العام ثم عقد اللجنة المركزية لحزب البعث اجتماعاً بقيادة الأسد تعني أن الاحتجاجات تسير نحو النهاية، وهو ما يغيظ الموقف الدولي».
الكاتب المعارض فاتح جاموس يرى أن تصريحات الرئيس الأميركي تندرج تحت ما يمكن تسميته «التصعيد السياسي الخارجي ضد النظام السوري». ويقول لـ«الأخبار» «هذا كان متوقعاً منذ مدة، سواء توقفت العمليات العسكرية والأمنية ضد الشارع المنتفض أو لم تتوقف، إنها تندرج ضمن ما كان مخططاً له من قبل السياسة الأميركية لواقع سوريا السياسي». ولا يستبعد التدخل العسكري على الأراضي السورية، في المرحلة القريبة المقبلة، «إن لم تحدث مصالحة فورية بين النظام السوري والشارع المنتفض والمعارضة الوطنية بكافة أطيافها، فإن التدخل العسكري الدولي، مدعوماً بقرار لمجلس الأمن، أصبح قريباً جداً».
وطالب جاموس المعارضة السورية والمتظاهرين في الشارع بتقديم طروحات منطقية وموضوعية للنظام السوري من أجل الخروج من الأزمة سريعاً، قبل تطور الأحداث على نحو متسارع جداً وصولاً إلى ما نخشاه جميعاً، ونطالب بعدم حدوثه، حتى لا تتحول سوريا إلى ليبيا ثانية. ورأى أن مجمل الإصلاحات وجملة القوانين التي أصدرها وقدمها النظام السوري أخيراً، ما هي إلا محاولة جادة منه لتطويق الأزمة التي تعيشها البلاد، بعدما «تنبّهت السلطات السورية وأجهزتها الأمنية إلى أنه لا مجال لتطويق الأحداث والاحتجاجات في الشارع إلا عبر تقديم حزمة كبيرة من التنازلات والإصلاحات التي طالب بها المتظاهرون، منذ بداية الأحداث السورية. يجب عليها الآن الدعوة إلى التصالح مع الشارع، وإنهاء حالة العنف بعد أن تعقدت الأوضاع كثيراً، وبات من الصعب بحق حلّها أو الخروج منها». لكن أمام هذه التطورات المتسارعة، سواء كانت سياسية دولية أو شعبية محلية «هناك فئتان اثنتان أغلقتا باب الحوار نهائياً مع النظام السوري، هما فئة واسعة من المتظاهرين في الشارع، بعدما تطورت مطالبها إلى إسقاط النظام وجميع أركانه، وتقديم رموزه إلى المحاكمة، والفئة الثانية في العوامل السياسية الخارجية التي وجدت الآن الفرصة مناسبة للتدخل في السياسة السورية، لتحقيق مكاسب على حساب النظام السوري المشغول بوضعه الداخلي». أما عن السبل من أجل تطويق الأزمة والخروج بأقل الخسائر الممكنة، فيرى أنه «لا مجال لنا سوى الحلول السياسية العقلانية، وعلى النظام تقديم حزمة واسعة من الإصلاحات على نحو جدّي وحقيقي، وحقن الدماء في الشارع» .
بدروه، أبدى الكاتب المعارض بكر صدقي تشاؤماً كبيراً من تصريحات أوباما الأخيرة بخصوص الشأن السوري، معتبراً أن «خطر التدخل العسكري بات وشيكاً جداً، وأنا أحمّل النظام السوري المسؤولية كاملة في حال حدث ما هو متوقع، بسبب تعنّته ومبالغته في الحل الأمني مقابل التظاهرات السلمية التي خرجت إلى الشوارع منذ حوالى خمسة أشهر، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا».
أما التخوفات والنتائج على الداخل السوري من التدخل العسكري، «في حال حدث ما نخشاه جميعاً، أخشى على سوريا أنها لن تقوم لها قائمة بعد أكثر من 20 عاماً على الأقل. لا أحد منا يريد أن تتحول سوريا ليبيا ثانية». وتوقع أن السياسة الأميركية قد أجرت جملة من المباحثات والمفاوضات مع روسيا والصين وجميع الدول المؤيدة للنظام السوري، والمعارضة لقرار إدانة من مجلس الأمن الدولي، «ربما تمكنت الحكومة الأميركية أخيراً، عبر وسائلها الخاصة، من الضغط على كل من روسيا والصين والهند للتخلي عن موقفها الداعم والمؤيّد للنظام السوري، من أجل إصدار قرار إدانة من مجلس الأمن الدولي، تهيئة للتدخل العسكري المرتقب». ويضيف «لكن هناك وسيلة ضغط قوية على هذه الأنظمة، تتمثل في ازدياد العنف والممارسات الأمنية التعسفية التي يرتكبها النظام يومياً بحق المتظاهرين السلميين، وهذا ما أحرج على ما يبدو جميع السياسات الدولية المؤيدة للنظام السوري». هذا ما يؤكده تخلّي الرئيس الروسي عن موقفه المدافع عن النظام السوري، بعد دخول وحدات الجيش إلى مدينة حماه.