الأمن يحجّم الاحتجاجات ودرعا تستعيد المشهد

أعادت «جمعة بشائر النصر» في سوريا، أمس، محافظة درعا ومحيطها إلى واجهة الأحداث، بعدما سجل سقوط 15 قتيلاً فيها، بينما غابت التظاهرات الكبرى عن عدد من المدن، بسبب لجوء السلطات إلى محاصرة المساجد، بحسب المعارضين
لم يترجم إعلان السلطات السورية توقف العمليات العسكرية انحساراً في حصيلة قتلى المتظاهرين، بعدما سقط عدد إضافي منهم في «جمعة بشائر النصر» التي أحياها المحتجون المطالبون بتغيير النظام، بينما أطلت المستشارة الإعلامية للرئاسة السورية، بثينة شعبان، لتؤكد أن «المطلوب من الحملة الدولية تفتيت سوريا وتقسيمها من خلال حرب إعلامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى»، مؤكدةً في الوقت نفسه أن «الشعب السوري عبّر عن وعي لا مثيل له».

ونقلت وكالة «فرانس برس»عن ناشطين تأكيدهم أنّ 23 مدنياً، بينهم طفلان، قتلوا برصاص قوات الأمن السورية. وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أنّ «15 شخصاً قتلوا في ريف درعا، بينهم ستة بالغين وطفلان في مدينة غباغب وشخص في نوى وخمسة أشخاص في الحراك وشخص في أنخل»، فضلاً عن سقوط «جرحى حالة أكثرهم حرجة في الحراك التي تشهد إطلاق نار كثيفاً وفي أنخل». وتحدث «المرصد» كذلك عن مقتل «شخص في حرستا (ريف دمشق)، فيما قال ناشط آخر من مدينة حمص إن «ثلاثة أشخاص قتلوا في حمص».
أما على الساحل السوري الغربي، فقد ذكر «المرصد» أن «المصلّين خرجوا من جامع الفتاحي في اللاذقية في تظاهرة «انقضّت عليها مجموعات الشبيحة بسرعة لتفريقها»، بينما خرجت تظاهرة في حي الميدان في بانياس تطالب بإسقاط النظام «رغم الوجود الأمني الكثيف». وتحدث المرصد نفسه عن انتشار أمني كثيف في دير الزور شرق البلاد، التي أعلن الجيش السوري خروجه منها، بهدف منع خروج المصلين في تظاهرات، بينما شهد شارع التكايا تظاهرة فرقتها أجهزة الأمن بإطلاق الرصاص، ولم تسجل أي إصابات.
وفي دمشق، أشار المرصد إلى أن «رجال الأمن اطلقوا النار بكثافة على تظاهرة خرجت في حي القدم»، لافتاً إلى سقوط جرحى. وأوضح أيضاً أن «وحدات من الجيش والأمن دخلت حي القابون وانتشرت بكثافة أمام مساجدها، فضلاً عن القيام بدوريات لمنع خروج التظاهرات». كذلك الحال في ريف دمشق حيث «أطلقت أجهزة الأمن الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة خرجت بعد صلاة الجمعة في داريا والكسوة وبلدات التل وحرستا وقدسيا تهتف لحماه واللاذقية وتطالب بإسقاط النظام». وأكّد «المرصد» أيضاً حصول «إطلاق نار كثيف في حيَّي باب الدريب والميدان وأحياء أخرى لم يمكن تحديدها»، مشدداً على حصول «حملة دهم للمنازل واعتقال متظاهرين في حي الميدان وكرم الشامي». من جهة ثانية، ذكر الناشط الحقوقي حسن برو لوكالة «فرانس برس»، أن «خمسة آلاف متظاهر خرجوا في مدينة القامشلي وأربعة آلاف في مدينة عامودا للمطالبة بإسقاط النظام».
بدوره، كشف طبيب في الزبداني لوكالة «رويترز» أن عربات الجيش منتشرة في البلدة والقناصة فوق أسطح المباني لمنع الحشود من الخروج في مسيرات. على المقلب الآخر، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» مقتل شرطي ومدني وجرح اثنين من عناصر مخفر غباغب (ريف درعا) «بنيران مسلحين هاجموا المخفر، بالإضافة إلى سقوط شهيدين من عناصر قوات حفظ النظام وإصابة أربعة آخرين برصاص مسلحين يطلقون النار عشوائياً في شوارع حرستا». وأضافت الوكالة أن «أربعة من عناصر قوات حفظ النظام أُصيبوا برصاص مسلّحين وقنابل أُلقيت عليهم من منزل مهجور في أنخل».
في هذه الأثناء، لا يزال الانقسام هو سيد الموقف تجاه المواقف الدولية من سوريا. وفيما حسمت الولايات المتحدة ومن خلفها العديد من دول الاتحاد الأوروبي موقفها بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد صراحةً إلى التنحي، يبدو أن المسؤولين الأتراك، رغم التصعيد الذي اتسمت به لهجتهم تجاه سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، لم يقرروا بعد الانتقال إلى هذه المرحلة. وأعلن مصدر حكومي تركي لوكالة «فرانس برس» طالباً عدم الكشف عن هويته، أن أنقرة غير مستعدة حتى الآن للدعوة إلى تنحي الرئيس السوري، مضيفاً: «لم نصل إلى هذا الحد بعد». ومضى يقول: «على الشعب السوري أولاً أن يقول للأسد أن يرحل، المعارضة السورية غير موحدة، ولم نسمع إلى الآن أي دعوة جماعية من السوريين تقول للأسد أن يرحل، كما حصل في مصر وليبيا». بدوره، امتنع مجلس الأمن الوطني التركي الذي يضم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين خلال اجتماع أول من أمس، عن دعوة الرئيس السوري إلى التنحي، مطالباً بالوقف «الفوري لاستخدام القوة والعنف ضد المدنيين».
إلا أنّ هذا الكلام لم يمنع الولايات المتحدة من التشديد على أهمية التنسيق مع تركيا في ما يتعلق بالأحداث في سوريا؛ فقد نقلت وكالة أنباء الأناضول عن مسؤولين أميركيين لم تذكر أسماءهم، تشديدهم على أهمية الشراكة بين تركيا والولايات المتحدة في ما يتعلق بسوريا، مشيرين إلى أن التشاور بين الجانبين «قوي ومستمر». وكشف المصدر أن «أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اتفقا على أن يواصل فريقاهما التشاور يومياً بشأن الأوضاع في سوريا».
من جهتها، بدت روسيا أكثر حزماً في معارضة الدعوات التي صدرت للأسد للتنحي، بتأكيد الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش أن روسيا «لا تشاطر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهة نظرهما حيال الرئيس بشار الأسد، وسنواصل الدفاع عن موقفنا المبدئي بشأن سوريا». بدوره، رأى مندوب روسيا لدى حلف شماليّ الأطلسي، ديميتري روغوزين، أنّ الحلف يتّخذ سياسة غير متوازنة وأحادية الصبغة تجاه سوريا، فيما تستعد «مجموعة من السياسيين الروس وأعضاء في مجلس الاتحاد بالتوافق مع وزارة الخارجية الروسية للتوجه إلى سوريا في الأيام المقبلة بهدف معرفة ما يجري في البلاد».
في غضون ذلك، كشف مصدر أوروبي «مطلع»، أنّ ممثلي الاتحاد الأوروبي توصّلوا إلى توافق على إضافة أسماء 15 شخصية سورية جديدة على لائحة العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري، مضيفاً أنّ «هؤلاء الأشخاص يرتبطون بالنظام السوري، وليس بالضرورة بعمليات القمع».
(أ ف ب، رويترز، أ ب، يو بي آي)