القاهرة ــ الأخبار في تمام الثانية من فجر أول من أمس، دوّت أصوات المصريين المرابطين أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة. هتاف متواصل وحناجر مزّقتها فرحة «الانتصار»: جرى إنزال العلم الإسرائيلي من أعلى نقطة تطل على كورنيش النيل. إنه إعلان لإنهاء العلاقة الآثمة التي دامت بين نظامي أنور السادات وحسني مبارك ودولة الاحتلال. فعلها الشاب أحمد الشحات، صاحب الأربعة والعشرين ربيعاً. الشاب الذي لم يحصل على مؤهَّل جامعي، ولم ينضم إلى حزب سياسي، أنزل علم الكيان الصهيوني وزرع مكانه علم مصر، في إشارة قوية مفادها أن مصر أصبحت دولة حرّة من الطغاة والمستبدين ومن التبعية للولايات المتحدة وإسرائيل. اثنان وعشرون طابقاً تسلّقها «سبايدرمان المصري» حتى وصل إلى منصّة العلم الإسرائيلي. استغرقت الرحلة ما يقرب من ساعة على حد تعبير الشحات: قرّرتُ الصعود لتحقيق رغبة الملايين من أبناء الوطن العربي في إنزال علم إسرائيل. هكذا قال منتشياً من سكرة الإنجاز. جاءت الفكرة إلى مخيلة الشحات عند الساعة التاسعة من مساء الجمعة الماضية، لكنه تردد في تنفيذها خشية أن يُعتقَل. بعدها، نجح في الوصول إلى مدخل أحد المباني، مستغلاً فترة تبديل دورية الشرطة العسكرية، في أول شارع السفارة، وانتقل منها إلى العمارة المجاورة، ثم تلك المجاورة لعمارة السفارة، حيث رآه رجال الشرطة والجيش فطالبوه بالنزول، إلّا أنّ الشاب أكمل صعوده بين عمارة السفارة والعمارة المجاورة لها على إمدادات مكيفات التبريد. ونظراً إلى الظلام، لم يره المتظاهرون إلا عندما وصل إلى الطابق الرابع حين بدأت صيحات التكبير. وعندما وصل إلى الطابق الثامن، «وجدتُ ضابطاً مصرياً يحمل سلاحه فأشرت إليه بعلامة النصر ثم أكملت الصعود»، وفق كلام بطل المغامرة.
ظلّ الهتاف يتردّد، والشحات يواصل صعوده على وقع التشجيع: «راجل راجل، إطلع يا بطل». ويصف الشحات الإحساس الذي انتابه عندما وصل إلى طابق السفارة بالقول: «يفوز باللذات كل مغامر»، متسائلاً «هوَّ في سعادة أكتر من إنك تطلع فوق سفارتهم وتدوس عليها بالجزمة وتشيل علمهم وتحرق قلبهم عليه؟». ويتابع: «لم أصدق نفسي عندما وصلت إلى مقر السفارة، وتمكنت من نزع علم إسرائيل على الرغم من تحذيرات الجميع لي، ومن شدّة الفرح حملتُ العلم وعدت أدراجي ونسيت وضع العلم المصري مكانه، وهو ما دفعني إلى العودة إلى فوق لتعليق العلم المصري».
الشحات كان يرفض الدخول إلى دائرة الضوء، فكثيرون كانوا يرغبون في مقابلته منذ تسلّق عمود الكهرباء في ميدان التحرير، وكان يرى أن هذا العمل ليس بطولة، بل مجرد تحقيق لأحلام الملايين من المصريين. الشاب الذي حُمل على الأعناق، وكادت فرحة المتظاهرين به أن تقتله، وخصوصاً بعدما نزل بعلم إسرائيل ليحرقه أمام تمثال نهضة مصر، حتى سقط مغميّاً عليه، نُقل إلى إحدى سيارات الإسعاف، إلا أن المتظاهرين خشوا أن يجري القبض عليه، حتى ظهر الداعية الإسلامي صفوت حجازي، الذي اصطحبه داخل سيارة واتجه به إلى إحدى ضواحي مدينة 6 أكتوبر.
أحمد الشحات صقر هو من مواليد 15 آذار 1987. خرّيج دبلوم صنائع، من مدينة الزقازيق، يعمل دهّاناً، ولديه خبرة طويلة في العمل على واجهات الأبنية، وشارك في ثورة يناير في ميدان التحرير، وفي كل أيام الجمع والمليونيات. لم يفكّر، وهو يتسلق واجهة عمارة السفارة الإسرائيلية، سوى في دماء الشهداء الذين قتلوا على الحدود ولم يقتصّ لهم أحد، لذا قرر أن يحقق مطلب الإرادة الشعبية بإنزال العلم الإسرائيلي. وقبل أدائه دور «سبايدرمان السفارة الإسرائيلية»، أدهش الجميع في ميدان التحرير يوم 8 تموز الماضي عندما تسلق إشارة المرور في الميدان، ووقف رافعاً علم مصر. اليوم، يعيد الشحات أمجاد سليمان خاطر، الذي قتل 7 من جنود العدو الإسرائيلي لأنهم اقتحموا الأراضي المصرية، وكذلك سعد حلاوة، الذي رفض وجود سفير للكيان الصهيوني على أرض مصر.
وبعيداً عن قصّة الشحات، كان لافتاً تغيُّب رئيس الحكومة عصام شرف عن الحضور إلى مجلس الوزارء يوم أمس، إذ رجّحت تقارير أنه كان في مقر المجلس العسكري لحضور اجتماع لمناقشة التطورات الخاصة بجريمة الجنود المصريين في سيناء على يد الاحتلال الإسرائيلي، كما أن اللجنة الوزارية التي تألّفت على خلفية تطورات الأحداث الأمنية في سيناء اجتمعت مجدداً مساء أول من أمس، وجاء في بيان لها أن «الموقف الإسرائيلي بشأن الحادث (الإعراب عن الأسف) إيجابي في ظاهره، غير أنه لا يتناسب مع جسامة الحادث وحالة الغضب المصري من التصرفات الإسرائيلية». وتابع البيان إن مصر «حريصة على السلام مع إسرائيل، إلا أن تل أبيب ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها في حماية هذا السلام».