قضية الأرصدة المُجمّدة المستحقة للشعب الليبي من الدول، كانت أمس محل مباحثات مكثّفة بين الدوحة ونيويورك وباريس، فيما طلب المجلس الوطني الانتقالي مساعدة دولية تصل إلى 2.5 مليار دولار لدفع رواتب ومصاريف علاج قبل نهاية رمضانقبيل بدء اجتماع في مجلس الأمن الدولي، مساء أمس، لبحث مشروع قرار يتيح الإفراج عن الأرصدة الليبية المجمّدة ورفع العقوبات عن ليبيا، التقى الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في باريس برئيس اللجنة التنفيذية في المجلس الوطني الانتقالي الليبي المعارض، محمود جبريل، حيث بحثا عملية الانتقال السياسي بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي.
وأكد الرئيس الفرنسي، في مؤتمر صحافي مشترك مع المسؤول الليبي، أنّ «كل دول العالم ساعدت ليبيا من أجل أن تتحرّر»، مشيداً «بما قام به سكان مصراتة وبنغازي وكل المدن الليبيّة». وقال إنّ فرنسا على «استعداد لوقف العمليات العسكرية في إطار القرار 1973 إذا طلب منا أصدقاؤنا الليبيين ذلك وبالتنسيق مع الأمم المتحدة». ولفت إلى أنه قرّر «مع رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الاتفاق على عقد مؤتمر لمساعدة ليبيا في باريس مطلع أيلول»، نافياً أن يكون «هناك أيّ قوات خاصة فرنسية في ليبيا على الأرض». وعن مؤتمر «أصدقاء ليبيا»، أوضح ساركوزي للصحافيين أن روسيا والصين والهند والبرازيل مدعوة إلى المؤتمر، فيما أشارت المعلومات إلى إمكان حضور هذا المؤتمر أكثر من 30 من الزعماء الأجانب والمنظمات الدولية للمساعدة على إعادة الإعمار والتحول إلى الديموقراطية. وأكد أنّ ما حصل في ليبيا سيؤثر على الوضع في سوريا، وقال: «بطبيعة الحال، الأوضاع لا تتشابه، ولا تدخل عسكرياً في سوريا. لكن يحق لأبناء الشعب السوري أن ينعموا بالديموقراطية وأن لا يبقوا تحت قمع نظام لم يدرك أنه وصلنا إلى الديموقراطيّة». وأكد أن «شروط تدخل عسكري في سوريا غير متوافرة»، مبرراً قرار فرنسا «استخدام قوّاتها في الكوت ديفوار وليبيا (بأنه) كان بناءً على طلب مجلس الأمن؛ ففرنسا لا تتدخل من دون قرار دولي، وهذا هو الأساس». لكنه شدد على «أن هذا لا يعني أننا نترك الشعب السوري يتعرض للإبادة على يد نظام يفقد شرعيّته يوماً بعد يوم»، مضيفاً أنّه «لا يمكن التساهل بعد اليوم مع ما يحصل في سوريا». وقال: «نحن نضع إمكاناتنا في تصرف أبناء الشعب السوري، ونحن وجّهنا نداءً لرحيل بشار الأسد»، مشدداً على أنّه «يحق للشعب السوري أن ينعم بالحرية، ويسعدني أن أسمع تصريحات العرب بالتضامن مع الشعب وأنهم إلى جانب الديموقراطية».
من جهته، ثمّن رئيس المجلس التنفيذي للمعارضة موقف فرنسا تجاه الليبيين، قائلاً: «نتعهّد العمل من أجل مجتمع ليبي حر، وجئنا نطلب مساعدة فرنسا في المعركة الأكبر، وهي معركة البناء، وشكركم على الدعوة للمؤتمر في أيلول المقبل». وكشف عن أنّه ناقش «مع الرئيس ساركوزي موضوع العام الدراسي ومسألة الجرحى الليبيين». وإذ أكّد أنّ «المعركة لم تنته بعد؛ لأنّ قوات القذافي ما زالت تقصف في الجنوب وتمارس القتل والقنص»، شدّد جبريل على أنّ «الأمن والاستقرار والعدالة والمصالحة على رأس أولوياتنا ولا إقصاء لأحد بعد اليوم». ونفى أن يكون لديه أي معلومات بخصوص مكان القذافي منذ هربه من معقله في طرابلس.
وكان جبريل قد عقد مؤتمراً صحافياً صباح أمس في العاصمة القطرية الدوحة، حيث قال إن المجلس سيطلب 2.5 مليار دولار مساعدة دولية في نهاية الشهر، لمساعدة ليبيا على التعافي من آثار الحرب التي استمرت ستة أشهر. وتحدث عن اجتماع عقد في الدوحة أمس لأعضاء في المجلس مع ممثلين من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وتركيا وقطر والامارات، لبحث المسألة.
وقال جبريل: «يجب علينا الآن أن نركز على إعادة البناء ولأم جراحنا»، معرباً عن أمله بالحصول على المعونات «قبل نهاية شهر رمضان حتى يمكن دفع رواتب الليبيين وتوفير العلاج الطبي لمن فقدوا بعض أطرافهم». ودعا إلى الإفراج عن الأموال الليبية التي جُمِّدت أثناء الانتفاضة على القذافي، قائلاً إن «الإفراج عن الأموال سيكون أولوية للحكومة الانتقالية». وذهب إلى تقدير أنه يوجد ما بين 160 مليار دولار و170 ملياراً من الأموال المجمدة، مضيفاً أنه «ما زلنا نكتشف حقائق جديدة».
وأوضح جبريل أن المجلس الانتقالي سيركز جهده على استئناف العمل في مرافئ النفط وموانئه بأسرع وقت ممكن، حيث كانت ليبيا تنتج نحو 1.6 مليون برميل يومياً من النفط قبل بدء الحرب.
وكانت بريطانيا قد جمّدت 12 مليار جنيه إسترليني من أصول القذافي، أما الولايات المتحدة فجمدت 37 مليار دولار، فيما جمدت فرنسا 7.3 مليارات يورو.
وعن مشروع القرار الدولي للإفراج عن الأرصدة المُجمّدة، أكد مصدر فرنسي أن القرار لا يزال في مراحله الأولية، وسيكون محل بحث في الأيام المقبلة خلال محادثات في قطر وتركيا ونيويورك. وأضاف: «من الصعب التحدث بدقة عن تفاصيل القرار»، مشيراً إلى أنه سيتناول مسألة العقوبات والإفراج عن الأرصدة.
(أ ف ب، رويترز، الأخبار)