قدّم محلل الاستخبارات الأميركي، جورج فريدمان، قراءة للأوضاع في المنطقة بناءً على أحداث سوريا ومصر وهجوم إيلات، فضلاً عن استحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ورأى أن الهجوم الإسرائيلي المرتقب، بعد الإعلان المسبق عن التعبئة الإسرائيلية العامة في أيلول المقبل، يأتي في زمن فقدت فيه السياسة الإسرائيلية زمام المبادرة، وباتت تستجيب فقط لإملاءات الظروف.انطلق فريدمان، في دراسته، التي نشرها موقع «ستارتفور» الاستخباري، من استحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة الشهر المقبل، كنقطة تتقاطع مع متغيرات تاريخية وعمليات سياسية آخذة بالتبلور في المنطقة، ليشير إلى أن الفلسطينيين منقسمون في العمق في هذه المرحلة بين حركة «فتح»، التي تنتمي إلى تيار علماني تقليدي عربي يدافع عن موقعه المتدهور، وحركة «حماس» المنتمية إلى فكر إسلامي وتيار سياسي صاعد، وحظي بدعم معنوي واستراتيجي كبير من خلال التغيير السياسي الذي حدث في مصر.

وإذ وصف سوريا بأنها «في حالة فوضى» مع بروز «معارضة مهمة» في الداخل، رأى أن مصر ضعيفة ومعرضة لتأثيرات خارجية، ولا سيما من التيارات الإسلامية.
يأتي هذا في وقت يستعد فيه الأميركيون للخروج من العراق مع كل ما ينطوي عليه ذلك من صعود للقوة الإيرانية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو اعتراف رأى فيه تهديداً ينذر بتفجر أزمة إقليمية كبرى، في خضم الأزمات الإقليمية الكثيرة. ورجح أن يكون للتصويت في الجمعية العامة «عواقب وخيمة».
في صورة الثورات العربية، وضع الكاتب حركة «فتح» ضمن الأنظمة الثورية العربية، التي صعدت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكنها انتهت إلى «خواء أيديولوجي» يهددها بالسقوط أُسوة بما وقع في مصر واليمن وليبيا وتونس وسوريا. وإذا كانت الشعوب العربية منقسمة على أسس عقائدية، فإن الفلسطينيين «منقسمون على هوية الأمة الفلسطينية». «حماس» تنظر إلى فلسطين كدولة إسلامية تتكوّن في إطار صعود المدّ الإسلامي الرافض لديمومة الدولة الإسرائيلية، بينما تقبلتها «فتح» مع بقية أركان النظام الرسمي العربي، لذا فإن تصويت الأمم المتحدة على الدولة الفلسطينية «يضرم الجدل ضمن الأمة الفلسطينية بما يؤدي إلى حدوث نزاع مكثّف». نزاع سيتركز على أسلوب حكم الدولة الجديدة، ويضع الفصيلين الفلسطينيين على محكّ السياسة التطبيقية. وإذا كانت «فتح» تتمتع باعتراف وقبول دولي ورسمي عربي، فإن «حماس» تمثّل مبعث قلق لأنظمة كالسعودية، التي تخشى تمدد نهجها على نحو يرجّح كفّة إيران. مع ذلك فإن «حماس» تواجه في صدامها مع «فتح» العزلة الدولية والعربية الرسمية، بالرغم من «الدعم الرمزي» الذي تلقته من أسطول المساعدات التركي. وهي تحتاج أولاً إلى وضع حدّ لعداء النظام المصري لها.
وبالتالي، فإن من مصلحة «حماس» أن يحدث «تغيّر فعلي للنظام المصري». تغيّر لا يأتي بنظام ليبرالي ديموقراطي، بل بقوى إسلامية مؤيدة لـ «حماس»، مثل الإخوان المسلمين. هذه المسألة ليست مضمونة حتى الآن، ويتعين على «حماس» أن تؤثر في الواقع المصري بهدف توجيهه لمصلحتها، حسب تقويم المحلل الأميركي. وهو لا يستبعد ذلك رغم أن الأمم الصغيرة لا تُحدث تغييرات جوهرية عادة في الأمم الكبيرة. والسبب حسب رأيه أن المصريين غير سعداء بمعاهدة كامب ديفيد، «والمشاعر المصرية، كما في بقية الدول العربية، تتوقد عندما يقع صدام عسكري بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وإذا كان حسني مبارك قد استطاع كبت تلك المشاعر طيلة فترة حكمه، فإن النظام العسكري الجديد أضعف من أن يستطيع مواصلة تلك السياسة.
في الوقت نفسه فإن أي صدام بين «حماس» وإسرائيل خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ66 يقوض مكانة فتح، ويعزز مكانة «حماس» في الشارعين الفلسطيني والعربي، كما أن ترافق التصويت على الدولة الفلسطينية مع إدانة في الجمعية العامة لإسرائيل على مهاجمة غزة، «من شأنه أن يعيد رسم (خريطة) المنطقة»، حسب تقدير المحلل الاستخباري الأميركي.
أما في الصورة الإقليمية العامة، فرأى فريدمان أن الحكم في سوريا «يكافح من أجل البقاء». ورغم نجاته من رياح التغيير حتى الآن، فإنه «في حاجة إلى تحديد النزاع على نحو أدق». وأي انهيار لسوريا، سيجعل حزب الله معتمداً كلياً على إيران، «وإيران من دون الحليف السوري تبقى بعيدة كثيراً عن حزب الله»، لكن إذا شاطر حزب الله «حماس» المواجهة مع إسرائيل، فإن الانتباه سيبتعد عن الرئيس السوري ويعزل خصومه ويتهمهم بإشغال الساحة الداخلية خدمة للعدو، كذلك فإن مشاركة حزب الله في الرد على الهجوم الإسرائيلي سيمنح الحزب موقعاً معنوياً مستقلاً عن سوريا، ذلك أن «حزب الله، الذي فرض توازناً في حرب 2006 مع إسرائيل صنع انتصاراً ضاعف من صدقيته بصورة دراماتيكية».
كذلك، رأى فريدمان أن نتيجة حرب تموز «انتصار لسوريا، التي أظهرت للعالم الإسلامي أنها الدولة الوحيدة التي دعمت مقاومة فعالة في وجه إسرائيل». وإذا كانت سوريا وحدها «تستطيع السيطرة على حزب الله، فإن إرغام سوريا على الخروج من لبنان مثل خطأ استراتيجياً ارتكتبه إسرائيل والولايات المتحدة».



إذا وقعت الحرب، رجح جورج فريدمان أن «إسرائيل ستحاول الانقضاض سريعاً على غزة قبل الالتفاف شمالاً نحو حزب الله، والسعي إلى قمع مكثف للانتفاضة في الضفة، لكن فشل إسرائيل في إحراز انتصار سريع لها في غزة يعرّض مكانتها العسكرية لمزيد من التآكل. وربما أدخلت حكام مصر العسكريين في أتون أزمة، وهو أمر لا يرغب الإسرائيليون فيه». أما قبول ضربات «حماس» ومحاولة استغلالها لاستدرار عطف دولي، فمن المستبعد أن يكونا فعّالين.