بدا واضحاً أن المجلس الوطني الانتقالي، الذي يمثل المعارضة الليبية لحكم العقيد المخلوع معمر القذافي، قد خاض في لعبة إرضاء القبائل ذات الوزن في ليبيا، بتعيينه اللواء سليمان محمود العبيدي، قائد قوات المنطقة الشرقية في الجيش الليبي التابع للقذافي سابقاً، مكان اللواء عبد الفتاح يونس، قائداً لهيئة أركان جيش التحرير الوطني الذي يمثل الذراع المسلّحة للمجلس الانتقالي. فاللواء الركن عبد الفتاح يونس، المنشق عن نظام القذافي منذ 18 آذار الماضي، الذي اغتيل على أيدي جماعة معارضة في نهاية تموز الماضي، بتهمة الاتصال مع دوائر العقيد القذافي، ينتمي إلى ذات قبيلة اللواء العبيدي، الذي كان من أوائل الضباط المنشقين عن النظام بعد قيام الثورة الليبية 2011.
ولأن يونس، الذي تقول مصادر عديدة في المعارضة الليبية إن تقارير أمنية وقضائية تؤكد عدم التوصل الى دليل لإدانته بالاتصال بالدوائر الضيقة لنظام القذافي، كان إحدى الشخصيات البارزة في النظام الليبي قبل ثورة 17 شباط الماضي، فإن اغتياله مثّل وضعاً حرجاً لعائلته ولأبناء قبيلته، التي يتمركز معظم أبنائها في المناطق الشرقية من ليبيا، والتي احتضنت الثورة.
فبعدما تعرّض الجنرال يونس للاغتيال في 28 تموز الماضي أثناء عودته من إحدى الجبهات التي كانت تشهد قتالاً عنيفاً مع كتائب القذافي على تخوم المناطق الشرقية من الجماهيرية، نعاه رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، وأعلن تعيين ضابط آخر من قبيلة «العبيدات» مكانه هو اللواء سليمان العبيدي، الذي أنيطت به مهمّات قيادة أركان جيش المعارضة. لقد وعدته قبيلته بتناسي كل ما فعله منذ انقلاب أيلول 1969، حين كان أحد رفاق القذافي.
وهذا ما أسهم في زيادة وتيرة الانشقاقات في صفوف القوات الموالية للرجل الثاني السابق في النظام، الذي انشق أخيراً، الرائد الركن عبد السلام جلود وتفتيتها، حسبما ذكر العارفون ببواطن الأمور في الجماهيرية.
العبيدي، الذي أعلن انشقاقه في برنامج تلفزيوني بضغط من أبناء ووجهاء قبيلته ومقاتلي جبل نفوسة المعارضين للنظام، أعلن أنه ترك القوات المسلحة الليبية من أجل الانضمام إلى الثورة والاستجابة لمطالب الشعب.
في 23 شباط، أي بعد أيام من اندلاع الانتفاضة الشعبية، أعلن اللواء العبيدي أن الزعيم الليبي لم يعد موضع ثقة، مضيفاً إنه قرر تحويل ولائه بعدما سمع بأن السلطات أعطت أوامر بإطلاق النار على المدنيين في مدينة
بنغازي، حيث يستوطن معظم أبناء «العبيدات».
وأكثر ما هال اللواء هو قصف قوات القذافي المواطنين العُزّل بطائرات حربية، واستخدامها «القوة المفرطة».
ولأن الرجل يتمتع بوزن كبير داخل القوات المسلحة الليبية وفي أوساط القبائل، كانت الآلة الإعلامية للنظام تستهدفه وتحاول أن توهن من عزم الثوار بإطلاق الشائعات عن مقتله او اصابته، فقد ترددت أنباء كاذبة عن مقتل اللواء العبيدي أثناء مناوشات في المناطق الشرقية، حسبما ذكرت صحيفة «الوطن» الليبية على موقعها الإلكتروني.
ربما كان اللواء العبيدي، مفرطاً في تفاؤله حين توقع في ذاك المؤتمر الصحافي الذي عقده في المناطق المحررة من سلطة «اللجان الثورية»، أن يسقط القذافي «خلال الأيام القليلة المقبلة»، لكنه في أي حال تحقق حلمه وإن بعد قليل من الشهور التي شهدت مقتل سلفه الجنرال يونس.
وتعد قبيلة العبيدات، التي يتمرّكز أبناؤها في شرق ليبيا، من أولى القبائل التي انضمت إلى الثورة، وكان لها المساهمة الأساسية في تأجيج شراراتها، بعدما فتحت الباب أمام الانشقاقات في الأمن الليبي، إثر طلبها من أبنائها الانسحاب منه بعد الجرائم التي ارتكبتها قوات العقيد في الأيام الاولى للثورة.
معمر...