I القاهرة | عمرو حمزاوي كان الضحية الأولى، استوقفه بلطجية هو وخطيبته، النجمة السينمائية بسمة، وسرقوا السيارة والأموال بعد التهديد بالسلاح.
الضحيتان التاليتان من قادة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي، سُرقت سيارته، وأحمد أبو بركة سُحل في شارع متفرع من ميدان التحرير.
حوادث وقعت كلها في أسبوع واحد، اختُتم بكسر مقر المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، الذي يديره المحامي ناصر أمين، وكُسرت خزنته.
هل هي صدفة؟ أم حوادث كاشفة؟ هل بدأ انتقام جهاز أمن الدولة؟ هل تتكوّن الآن عصابات لإرهاب السياسيين وربما فرق اغتيالات سياسية؟ هل يعرف وزير الداخلية، اللواء منصور العيسوي، ماذا يفعل ضباط أمن الدولة المبعدون؟

هل تابع نشاطهم؟ هل أصدر أوامره بتفكيك شبكات أداروها لمصلحة «مراكز قوى نظام مبارك» وبمنطق يشبه العصابات الدولية، وبمفاهيم تعتمد أنهم الدولة، وأنهم الذين يمنحون معنى الوطنية والولاء؟
كيف فكرت وزارة الداخلية في «تفكيك» وإبطال فعالية العناصر النشطين من الجهاز؟ كل الأجهزة التي ورثت «القلم السياسي» في عصور التحرر الوطني استمرت في عقيدة الأمن السياسي: نحن الوطن. وضباطه يؤدون مهمتهم تحت ستار أنهم حرّاس الوطنية وحماة البلد.
أين ذهب هؤلاء بتركيبتهم المعقدة نفسياً؟ هل يتابع أحد من قادة الشرطة الجدد مصير هذه الحالات البشرية التي ذاب الفرق عندها بين الضابط والمجرم؟
«جهاز أمن الدولة»في عهد حبيب العادلي وصل الى القمة في أسلوب «كسر الروح» و«إدارة الأمن للحياة السياسية لا مراقبتها فقط»، لتترسخ دعائم دولة بوليسية كما نفذت بكتالوج مصري، توسع فيه دور الأمن لدرجة خرجت عن السيطرة، وقادت النظام كله الى لحظة السقوط الكبير. الجهاز كشف عن هشاشة متوحشة، اعتمد عناصره على نشر الرعب، لا الكفاءة في الأداء، ربما لأن الحماية هنا ظلت تضيق الى درجة لم يعد «الجهاز» معها يرى إلا نفسه، بناياته تتضخم، ومركزه بني على شكل هرم مقلوب لا يمكن اكتشاف رأسه إلا بالدخول في متاهته.
ماذا فعل الضباط بعد الهروب من متاهة السقوط؟ هل أصبحوا زعماء عصابات تروّع السياسيين وتحرّك الواقع السياسي بالاغتيالات؟
II
عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم «الدعوة السلفية»، تنتهي ملامحه الطيبة عندما يتحدث. يقترب أكثر من لحيته الموحية بعنف محاربين غلاظ القلوب، أو كما كانت تصورهم الأفلام الدينية في السينما المصرية. هو أقرب الى فريق الكفّار.
الانتقال من الطيبة الى العنف تصاحبه ثقة واستسهال في الاعتداء على الحياة الحديثة وكل ما يتعلق بالتحضر. يقول ببساطة إن «الحضارة المصرية عفنة»، ويطالب بتغطية وجوه الأصنام «بالشمع». يتكلم الشحات كأنه قادم لانتشال المصريين من جهالة وظلم يراه هو حسب كتالوج يرى أن الحياة انتهت عند الجزيرة العربية. ويتخيل حربه استعادة لحروب نشر الإسلام، والأصنام رموز زمن دائري تعاد فيه الحروب كل 100 سنة. الشحات ليس وحده، إنه نموذج لمن تهددهم الحياة الحديثة والتحضر، ويشعرون بأنهم في حرب أخيرة معها، يريدون حسمها.
يتكلم «الشيخ» باستعلاء غريب وقوة تطلب الاعتذار عن طريقة كاملة في الحياة، تكفير بدون هجرة هذه المرة. أمراء التكفير خرجوا من المعتقلات بسبب الثورة، لينفذوا ما لم يستطيعوا تنفيذه بالإرهاب المسلح والهجرة، يحلمون الآن بأن يهاجر المجتمع كله الى «الموديل الوهابي».
الوهابي ليس الموديل الوحيد، الموديلات الأصوليه تتنازع مصر وعندما سألوا شيخاً من مشايخ الجماعات السلفية: «هل تمولكم السعودية؟»، قال بكل عزيمة: «لا... أموالنا من الكويت وقطر».
حلف أصولي، هكذا تبدو صورة السلفيين بعد الثورة في مصر. حلف يمد خطوطه مع نخب أصولية، تلغي التاريخ، لتصبح آثار الفراعنة هي أصنام قريش، وتحطيمها ليس رمزاً مرتبطاً بإعلان السيادة، لكنه رمز للإيمان وإن تغيرت الأوضاع والظروف.
المصريون الآن لا ينظرون إلى التماثيل على أنها آلهة تعبد، لكن على أنها نماذج من فن وإبداع ومعجزة إنسانية. التاريخ لم يبدأ ولم ينته بظهور الإسلام، إنها نظرة ضيقة الأفق… تلغي ما قبل الإسلام وما بعده، وتحاسبه بمنطق الكفر والإيمان. وهذا ما يجعل الشيخ يرى الديموقراطية كفراً، والحضارة المصرية كفراً، لأنه يلغي التاريخ ويريد الوقوف عند ما يراه هو ومرجعياته الفكرية الكتالوج الوحيد للحياة المؤمنة.
هل كان المصريون كفاراً قبل أن يظهر الشيخ الشحات وجماعته؟ الشيخ يرفع رايات الوهابية، ويريد أن يعلن انتصارها، بعدما حررت الثورة الجميع.
الثورة التي انتصرت بكل القيم المصرية الحديثة، في تجاور المتدين السمح مع المرأة العصرية، والرجل المتمدن مع الشيخ الملتحي. كلهم، وبقيم مصرية متحضرة، صنعوا ثورة حررت الشيخ وجماعته من أسر ضباط أمن الدولة. حررتهم ليعتدوا، بكل بساطة، على حرية الآخرين وخصوصياتهم واختياراتهم.
من أين هذا الصلف؟ المعركة قديمة بين الثقافة المصرية والهجمة الوهابية، ويريد الشيخ وأتباعه حسمها لمصلحة ثقافة الصحراء الغارقة في النصوص المغلقة والمهووسة بالشكل.
المعركة الثقافية كانت غطاءً لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية. استمرت الحرب وأخذت أبعاداً جديدة مع وصول جمال عبد الناصر، زعيم الانفلات من الغرب، وصدامه مع الملك فيصل، السياسي المحنّك في دولة اعتمدت على التحالف مع القوة العظمى في العالم (إنكلترا ثم أميركا).
المعركة استمرت، وكانت الوهابية تقتسم السلطة مع عائلة آل سعود، التي هُزمت أمام جيش عبد الناصر في اليمن (١٩٦٢)، لكن عندما هُزم عبد الناصر أمام إسرائيل في حزيران ١٩٦٧، نشرت الوهابية أنّ الهزيمة لم تكن خطأً سياسياً أو عسكرياً، لكن للابتعاد عن الدين.
أرادت السعودية أن تعتذر مصر عن حداثتها، وأن تشعر بالذنب لأنها خرجت من الأسر الوهابي. وهذا ما لم تنسه مؤسسات نشر الوهابية، التي تعمل بقوة وبإصرار رغم المقاومة الكبيرة في المجتمع المصري المتحضر والسعيد بحداثته، التي لا يراها تتعارض مع التدين والإيمان.
الشيخ الشحات ليس الأول الذي يستهدف الحضارة المصرية ويطلق على المصريين سهام التكفير، لكن الغريب هنا هو لماذا علا صوت الشيخ الشحات الآن؟ ولماذا يستسهل الحرب على المجتمع ويحرّم الخروج على الدكتاتور؟ ومن الذي يجعل من الشيخ نجماً فضائياً يتسلى المشاهدون بكلامه ولا يعرفون أن هذه تسلية مدمرة.
III
أين المحميات السياسية التي عاشت عزها أيام مبارك وأفلتت من الاصطياد في مزرعة طرة؟ ماذا تفعل هذه المحميات الآن، كيف تنظم صفوفها؟
تتناثر معلومات عن تحول لندن الى عاصمة للمحميات الهاربة… ماذا يفعل أصحابها؟ كيف يخططون للحفاظ على مواقعهم القديمة، أو على الأقل لحماية ثرواتهم من الصيد؟
معلومات أخرى تفيد عن تسرب ثروات المحميات الهاربة الى الإعلام وبقوة، في خطة تحويل الثورة الى وجهة نظر، تبدو الإجابة صعبة، وخصوصاً أن موسم رمضان شهد استعادة لأسماء من عصر مبارك، لم يكن من بينهم أحد من صانعي السياسات أو من العقول المدربة، لكن معظمهم من «نجوم» الميديا.
استدعت البرامج الرمضانية من سمتهم «رموز» عصر مبارك لتتسلى عليهم ربما، أو تستثير بهم شهية متفرج يريد أن يرى المنافق أو الخادم القديم، بعدما وُضع سيده في القفص. ماذا فعلت هذه الاستضافة أو الرغبة في التسلية؟ أو ماذا كانت تريد أن تفعل؟
استضافة هؤلاء العناصر أحيتهم من جديد، وصنعت منهم «طرفاً» في مواجهة الثوار، وهو ما يمنحهم قيمة أكبر مما يحلمون. كل من هؤلاء «الرموز» لم يكن يحلم بأكثر من الحفاظ على مقعده أو موقعه، لكنه الآن «ضحية»، لا شريك في جريمة كاملة استمرت ٣٠ سنة.
مبارك لم يقتل أو يسرق فقط، ولم يسلّم بلداً كاملاً الى مافيا حكامه، بل أيضاً أفسد الروح ونشر قيماً تضرب في مقتل الحق والخير والجمال. كل هؤلاء الضيوف من عصر مبارك، صنيعة قيم عصر مبارك، ومشاركون في حرب ترويض الشعب، التي خاضها طيلة سنوات حكمه، والتضليل ضد الثورة هو معركتهم الأخيرة.
كلهم باعوا كل شيء من أجل الاستمرار في مدار سلطة كانوا يظنون أنها خالدة، ولن تتغير، ولم يكن لدى أحدهم شيء صلب يقاوم به تيار مبارك.
كلهم كانوا جنوداً مخلصين في جيش الدفاع عن النظام، جنود بمعنى أنهم كانوا منفذين لخطط وعمليات، لا مفكرين أو حراساً أيديولوجيين بالمعنى الكبير، كانوا صغاراً في نظام لم يصنع إلا الصغار. والمفارقة أنهم يكبرون بعد سقوط النظام ويُقَدَّمون على أنهم «معارضون» للثورة.
الإعلام المفلس يمنح جنود مبارك فرصة لتحويل الخراب الى وجهة نظر، ولوصف فلسفة القتل على أنها رأي معارض، ولتجميل الفساد ووضعه في إطار «الحكمة».
هذه خديعة، تدخلها أطراف إعلامية بحسن نية، ويدبر لها أباطرة الميديا بقصد واضح. الأباطرة يريدون استمرار دائرة المصالح التي جعلتهم يحتكرون صناعة الإعلام ويفرضون عليه ذوقهم وقيمهم وتحالفاتهم السرية، وعبر إعلام يدار بالصفقات والاتفاقات التحتية، التي ترسل رسائل منشطة الى قوى الثورة المضادة، تقول لهم فيها: «اطمئنوا، ما زلنا في الملعب».
أباطرة الميديا يريدون تفكيك الثورة الى مفردات صغيرة قبل أن يكتمل بنيانها لنظام جديد، الهدف هو استمرار شبكات المصالح، لا الدفاع عن نظام مبارك، لأنهم غالباً ليسوا مخلصين لمشروع مبارك الذي لم يكن مشروعاً بالمعنى السياسي أو الاجتماعي، لكنه «كومبينة» مصالح. ومن أجل الحفاظ على «الكومبينة» دخلت الى سوق الإعلام أموال جديدة مصدرها الهاربون بعد الثورة، لم يعلَن عنهم، ومصلحتهم ليست عودة مبارك ولا تبييض وجهه، بل تحميله كل الجرائم، ليموت مبارك وتحيا الكومبينة.



البرادعي: النظام السابق لم يسقط

أكد محمد البرادعي، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المقبلة في مصر، أنه محبط لما أصاب البلاد من تفرق مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى «أمم وقبائل»، إلا أنه ليس يائساً. وقال، في حواره مع صحيفة «الشروق» المصرية المستقلة، إن «الثوار أخطأوا عندما تفرقوا وتشرذموا» ولم يسمع الشخص العادي شيئاً عن أسبقيات السكن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، مؤكدا أن «الثورة ليست فقط المطالبة بالحرية، بل أيضاً لأغلبية الشعب المصري العدالة الاجتماعية». وأضاف إن الانتخابات البرلمانية المقبلة قد لا تكون تنافسية بالمعنى الديموقراطي المتعارف عليه، لأن الملعب السياسي غير متساو في ظل الأوضاع الأمنية الحالية في البلاد.
وأكد البرادعي أن «الجيش طهّر نفسه» من الفترة الماضية بحمايته للثورة، مشيراً إلى ضرورة التعاون الوثيق بين الشعب والجيش في هذه المرحلة من أجل استكمال هدم النظام السابق، الذي أوضح البرادعي أنه «لم يسقط وما زلنا نجمّله ونستنسخه».
(الأخبار)