أيام ليست سهلة تمرّ على قادة الدولة الإسرائيلية العسكريين والأمنيين، مع تواصل الانتفاضات العربية ووضعها مستقبل المنطقة في غياهب المجهول، بعدما فقد وضعه المعهود حين كان الاستقرار مضموناً بأيدي أنظمة دكتاتورية. عام 2011 لن يكون من أفضل أعوام العقد الأخير بالنسبة إلى تل أبيب. ولا شكَّ في أنَّ الأزمة التركية الأخيرة وقطع العلاقات العسكرية والاقتصادية بين تل أبيب وأنقرة، أحيت الشكوك، وشغلت بال الخطاب الأمني الإسرائيلي، وأضفت «سوداوية» على سيناريوات أمنية مرتقبة، ودفعت بقائد الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال، أيال آيزنبيرغ، إلى القول إنّ «الوضع الحالي يزيد من احتمالات اندلاع حرب شاملة»، وهو ما استدعى في المقابل مواقف إسرائيلية مهدّئة عبّر عنها وزير الدفاع إيهود باراك الذي سارع إلى معارضة آيزنبيرغ. وفي محاضرة ألقاها في «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، تطرق آيزنبيرغ إلى الانتفاضات في العالم العربي. وقال: «هذا يسمى الربيع العربي، لكنه يمكن أن يكون أيضاً شتاءً إسلامياً راديكالياً»، مضيفاً أنّ من شأنّ هذا التطور أن «يرفع من احتمالات حرب شاملة مع القدرة على استعمال سلاح للدمار الشامل».
وأضاف الجنرال الإسرائيلي، الذي قدّم رصداً للمجريات التي تجتاح الشرق الأوسط: «في سوريا نظام بشار الأسد موجود على منزلق دموي». أما في ما يتعلق بلبنان وحزب الله، فقد أشار إلى أنّه «في لبنان تتصاعد قوة حزب الله في الحكم، ولكنه لم يفقد إرادته لضرب إسرائيل»، مضيفاً أيضاً أنَّ العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، في هذه الآونة تحديداً «ليست بأحسن حالها»، مستخلصاً أن «هناك عملية طويلة المدى، والاحتمالات لحرب شاملة تتعاظم».
وواصل آيزنبيرغ محاضرته، وقال إن «إيران لم تهمل برنامجها النووي». وعن مصر، رأى أن «الجيش يركع تحت حمل الأمن، وهذا جلي في خسارة حكم سيناء وتحويل الحدود مع إسرائيل إلى حدود إرهاب».
ولعل أكثر ما أغضب منتقديه هو تصريحاته عن التنظيمات الفلسطينية، حين كشف عن أنه من خلال التصعيد الأخير في الجنوب تبين أن «هناك وسائل قتالية جديدة بأيدي التنظيمات الفلسطينية»، وقال: «أرشدنا الجمهور إلى أن يحتمي تحت بيوت من سقفين، لا سقف واحد»، مضيفاً أن «الحديث يجري عن قذائف تحمل كميات كبيرة من المواد الناسفة التي تسبب أضراراً كبيرة». وتابع القول: «في الحرب المقبلة من الممكن أن نجد أنفسنا في وضعية بحيث تكون المواجهة في الجبهة الداخلية»، مضيفاً: «سيطلقون علينا الصواريخ ونحن نرد بالطائرات»، مستخلصاً بأن «صمود الجبهة سيحسم الحرب».
وأثارت أقوال آيزنبيرغ ردود فعل غاضبة داخل الجهاز الأمني الإسرائيلي، ووصف مسؤولون تصريحاته بأنّها تكشف عن مواد أمنية سرّية.
من جهته، ردّ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال زيارته لمعبر القنيطرة في الجولان السوري المحتل، على تخمينات الجنرال الإسرائيلي، من دون ذكره، قائلاً: «أنا مقتنع بأنه لا سبب يخول أعداءنا أن يجرؤوا على استعمال سلاح للدمار الشامل ضدّ دولة أسرائيل. ليس الآن ولا في المستقبل، وهم يعرفون جيداً لماذا ليس مجدياً لهم حتى التفكير باستخدام سلاح كيماوي ضد إسرائيل»، في تلميح إلى أن إسرائيل سترد بسلاح نووي.
وأضاف باراك، الذي رافقه في جولته رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس وقائد الجبهة الشمالية في الجيش اللواء يائير غولان، إنه منذ أمس «تعالت أصوات تحدثت عن إمكان مواجهة شاملة في الشرق الأوسط. وأريد أن أقول للجميع إننا لا نرى سبباً يجعل أياً من أعدائنا يبادر إلى حرب شاملة وواسعة ضد إسرائيل في هذه الأيام». وفي ما يتعلق بسوريا، قال إن «الحدود السورية (مع إسرائيل) هي حدود هادئة».
وكان رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع عاموس جلعاد قد انتقد بدوره أقوال آيزنبيرغ، واصفاً إياها بـ«غير الصحيحة»، مضيفاً أن «الوضع الأمني لم يكن أفضل مما هو عليه الآن. لا يوجد إرهاب داخلي، وهناك ردع في الشمال والجنوب، ولا يوجد تحالف جيوش عربية، والأنظمة مستقرة في المنطقة، وتجري تغييرات يجب منحها الاهتمام. إضافة إلى أن السلطة حالياً في مصر بأيدي مسؤولة».
وتابع جلعاد قوله: «لا نملك أي معلومات ملموسة عن احتمال استخدام أسلحة دمار شامل». وانتقد ضمناً الجنرال آيزنبيرغ، مؤكداً أنه «يجب ألا ننشر حالة من الذعر». لكن جلعاد، الذي يُعَدّ أحد المسؤولين الأكثر نفوذاً في وزارة الدفاع، قال للإذاعة العسكرية إن «هناك فعلاً تغيرات في المنطقة في كافة الاتجاهات، وعلينا أن نكون متيقظين إن أصبحت خطيرة، ومراقبة عدة جبهات من دون توتر وبتعقل».