رام الله | «هناك نقص مزمن في المساعدات الخارجية، وليس من المقبول أن نقول للموظفين ولشعبنا إنه لا توجد أزمة مالية. واجهتنا هذه الصعوبات المالية منذ أواسط عام 2010، واستمرت من شهر إلى الشهر الذي يليه، وحدّت على نحو متزايد من قدرة السلطة الوطنية على الوفاء بالالتزامات المترتبة عليها، والوفاء بالاستحقاق الأهم، ألا وهو دفع فاتورة الرواتب والأجور. إن سلطتكم الوطنية تعمل حثيثاً لتجاوز هذه الأزمة المالية، ولكننا لا نتوقع أن تتلاشى هذه الأزمة بين عشية وضحاها»، هذا ما أكده رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بأن السلطة الوطنية تمرّ بأزمة ماليّة حادة سببها الوحيد هو نقص المساعدات الخارجية والمخصصة لدعم الموازنة. المشكلة، كما يؤكد فياض دوماً، مرتبطة بالدعم الخارجي، وهو ما يجعلها أصعب مما هي عليه الآن، إذا ما أصر الفلسطينيون على التوجه إلى الأمم المتحدة، ورفضوا محاولات اللحظة الأخيرة التي تقوم بها الولايات المتحدة والرباعية الدولية، وذلك بسبب التهديد الواضح بربط توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة بالدعم الأميركي الذي تقدمه إلى السلطة من طريق الوكالة الأميركية للتنمية.
فياض أوضح أن «هذه الأزمة المالية ستبقى جزءاً من الواقع الفلسطيني الحالي»، مشيراً إلى أن الحكومة ستبقى في حالة إدارة أزمة إلى أن نصل بداية العام المقبل. وقال: «نتوقع في إطار موازنة العام الجديد أن نشهد تحسناً كبيراً في قدرة السلطة الوطنية على الوفاء بالمزيد من الاحتياجات من مواردها الداخلية المحلية، وبما هو كفيل من أن ينهي الأزمة، بحيث لا يعود هناك مجال إطلاقاً لأي تداول بشأن الرواتب ومواعيد دفعها أو بشأن الخدمات الأخرى».
وأكد أن السلطة الوطنية تعمل بكل جهد ممكن للتقليل من المساعدات الخارجية، مشيراً إلى أنه في عام 2008، احتاجت السلطة إلى مليار و800 مليون دولار من المساعدات الخارجية، أما في عام 2011 فقد احتاجت إلى مليار دولار فقط، أي بفارق 800 مليون دولار.
غسان الخطيب، مدير مركز الإعلام الحكومي، أكد جدية تهديدات إسرائيل والولايات المتحدة بفرض عقوبات وانعكاسها على الواقع الفلسطيني. وقال: «إذا نفذوا التهديد فسيكون لذلك وقع صعب سيضاف إلى أرضية وضع مالي مأزوم بالأصل». وأضاف: «الحكومة تتعامل مع الأزمة وفق مرحلتين، مرحلة من الآن وحتى نهاية العام الحالي، ومرحلة تتعلق بالعام المقبل».
وأوضح الخطيب أن الحكومة تعمل على تقليل النفقات غير الضرورية بدون المساس بالخدمات أو الحقوق العامة للمواطن، مقابل زيادة الإيرادات، مقتنعة بأن هذا النهج سينجح؛ لكونه جرب قبل ثلاث سنوات، والنتائج كانت إيجابية.
وعلمت «الأخبار» أن من بين المقترحات التي تعمل عليها الحكومة «معالجة مشاكل التهرب الضريبي، وتفعيل الجباية، إضافة إلى المقاصة بين السلطة الفلسطينية، والجانب الإسرائيلي، حيث رفعت إسرائيل الرسوم على المعابر منذ سنة ولم تتلق السلطة حصتها. وعُلم أيضاً أن الحكومة تعمل على صياغة موازنة للعام المقبل، اعتماداً على الإيرادات المحلية وإسقاط أموال المانحين التي لا يوجد فيها استقرار ولم تف بالتزاماتها.
غير أن محاولات فياض والخطيب للتهدئة لم تثمر على أرض الواقع، ولا سيما مع رفض الموظفين لأي مساس بالراتب، وهو ما أكده نائب رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، معين عنساوي، لـ«الأخبار»؛ إذ شدّد على رفض النقابة لأي مساس برواتب الموظفين ضمن ما يسمى خطة حكومية لخفض الإنفاق، موضحاً أن راتب الموظف أصلاً لا يكفيه وأسرته ولا يوفر حياة كريمة لهم، فهل يعقل المساس بهذا الراتب؟
عنساوي قال «إن هناك كثيراً من الجوانب التي تستطيع الحكومة خفض النفقات من خلالها، ومن أمثلة ذلك وقف العقود الموقعة مع موظفين (خبراء) يتقاضون آلاف الدولارات، مع العلم بأن الكادر والموظف الفلسطيني في وزارته لديه القدرة والمؤهلات والخبرات تفوق هؤلاء الذين يسمون خبراء، إضافة إلى أمثلة أخرى مثل وقف تأجير السيارات والشقق، كما هو متبع في وزارة المال ووزارات أخرى. حتى إن عنساوي ذهب بعيداً في مطالبات النقابة بالقول «إن راتب الموظف وتحديداً مواصلاته حق طبيعي وقانوني لن نسمح بالمساس به».
وفي تعليق على عرض السلطة صرف نصف راتب للموظفين، قال رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، بسام زكارنة، إن «قضية نصف الراتب لم تعد مقبولة من الموظفين، وهي تخدم فقط البنوك التي تسارع لحسم القروض، ولا توفّر أبسط الامور، وخاصة أن التزامات الموظفين كثيرة وراتب كامل لا يوفرها». وأضاف أن الحكومة لم تعلم النقابة رسمياً بهذه الأخبار وأن المعلومات لدينا من وزارة المال أن العمل يجري على دفع راتب كامل وهناك تحرك واجتماع في الإمارات لطلب مساعدة عاجلة من الدول العربية.
من جهتها، استهجنت نقابة معلمي التعليم العالي «النهج الذي تتبعه الحكومة بصرف نصف الراتب»، مشيرة إلى أن هذا النهج فشل ذريع لسياسة الحكومة في إدارة المال العام.
على هذا الأساس، من الواضح أن لا أحد يعلم كيف ستكون عليه الأزمة المالية خلال الأشهر المقبلة، بحسب كافة الأطراف ذات الشأن، كذلك لن يكون هناك استقرار مالي، وليس هناك شيء واضح في الأفق، والسلطة تتعامل مع الالتزامات شهراً بشهر، ما قد يشير إلى أن الشأن المالي لم يحسب له الحساب ضمن الاستراتيجية التي وضعتها السلطة الفلسطينية لاستحقاق أيلول وما سيحمله من تبعات.