يبدو أن الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي قد حاول استغلال ثروات ليبيا بأكبر قدر ممكن قبل أن يتوارى عن الأنظار الشهر الماضي، لدى اقتحام الثوار معقله في جنوب طرابلس. ففيما أعلن المصرف المركزي الليبي، أمس، أن القذافي باع أكثر من 20 في المئة من احتياطي الذهب في البلاد، أي ما يعادل أكثر من مليار دولار، في آخر أيام حكمه، أظهرت وثائق أن فرعاً بريطانياً لشركة جنرال داينامكس التي يقع مقرها في الولايات المتحدة قام بتحديث الدبابات وناقلات الجند لكتيبة خميس ابن القذافي. في غضون ذلك، لوّح رئيس الحكومة المؤقتة في ليبيا محمود جبريل، في أول زيارة يقوم بها الى طرابلس منذ دخلتها قواته، بالاستقالة اذا اندلع اقتتال داخلي في الحركة التي أطاحت بالعقيد القذافي.
وقال جبريل، خلال مؤتمر صحافي، أن مؤيدي القذافي لم يهزموا بعد بصورة كاملة. وإن البلاد تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى الوحدة، معتبراً انه «بمجرد انتهاء المعركة يمكن للعبة السياسية أن تبدأ».
وحذر من أن «البعض قام بمحاولات لبدء لعبة سياسية قبل التوصل لإجماع عام بشأن القواعد»، مضيفاً أن أولوية الإدارة الجديدة هي انهاء المعركة ضد قوات القذافي. وقال انه اذا اتضح ان الحركة لا تجمعها أرض مشتركة فسينسحب.
وفي غضون ذلك، طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ــــ أوكامبو من الانتربول الدولي إصدار «بلاغ أحمر» بحق القذافي الملاحق بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة، حسبما أعلن مكتب المدعي أمس.
وسط هذه الأنباء، نفى العقيد القذافي، في رسالة صوتية جديدة أمس، أن يكون قد فرّ الى النيجر، معتبراً من جانب آخر أن حلف شمالي الأطلسي سيُهزم في ليبيا. وقال القذافي، في رسالة صوتية بثّتها قناة الرأي الفضائية، «ليس أمامهم إلا الحرب النفسية والأكاذيب».
ميدانياً، أرسل المجلس الوطني الانتقالي الليبي مقاتلين إضافيين لمهاجمة مدينة بني وليد، حيث يعتقد بوجود القذافي أو أبنائه. وينتظر مقاتلو المجلس الانتقالي نهاية المهلة التي حددت غداً السبت لأنصار القذافي في سبها (جنوب)، وسرت (360 كيلومتراً شرقي العاصمة)، وبني وليد (170 كيلومتراً جنوبي شرقي العاصمة)، للاستسلام من دون قتال.
وخلال اشتباكات بين الفريقين، قُتل موال للقذافي قرب بني وليد، فيما سقطت 10 صواريخ «غراد» في وادي دينار بالقرب من المدينة أطلقتها كتائب القذافي على الثوار، دون الإفادة عن سقوط إصابات.
وفي حديث إلى وكالة «أسوشييتد برس»، قال وزير الصحة الليبي «المؤقت»، ناجي بركات، إن الحرب التي بدأت منذ شباط الماضي بين السلطة والثوار كبّدت ليبيا 30 ألف قتيل و50 ألف جريح على الأقل.
دولياً، من المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي اليوم مهمة تستمر ثلاثة أشهر في ليبيا للمساعدة على إعادة تأهيل قطاعي الشرطة والقضاء والإعداد للانتخابات.
من جهة أخرى، قال السفير الأميركي لدى حلف الأطلسي، ايفو دالدر، إن القوات الموالية للقذافي قد تواصل القتال حتى بعد اعتقاله. واضاف دالدر أن اعتقال القذافي قد لا يشير إلى انتهاء حملة الغارات الجوية التي بدأها الحلف يوم 31 آذار الماضي، مؤكداً ما قاله أمين الحلف أندرس فوغ راسموسن، «سنستمر بالعملية ما دام النظام أو عناصره يمثلون تهديداً للمدنيين».
من جهة أخرى، قال حاكم المصرف المركزي الليبي قاسم عزوز، إن ذهباً بقيمة 1,7 مليار دينار ليبي أو نحو 29 طناً، بِيع لتجار محليين حين كان النظام السابق بحاجة إلى سيولة. لكنّ مسؤولي المصرف رجّحوا أن يكون الذهب قد وصل الى دول مجاورة مثل تونس أو أبعد منها.
وفي سياق آخر، أظهرت الوثائق التي عثرت عليها وكالة «رويترز» في طرابلس أن فرعاً بريطانياً لشركة جنرال داينامكس التي يقع مقرّها في الولايات المتحدة قام بتحديث الدبابات وناقلات الجند لكتيبة خميس ابن القذافي.
كذلك أفادت صحيفة «إندبندانت» بأن مئات الصواريخ المضادة للطائرات تعرّضت للنهب من ترسانة أسلحة القذافي، ما أثار مخاوف من احتمال وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية. وأضافت الصحيفة أن هناك أدلة متزايدة على تهريب الأسلحة من ليبيا إلى دول أخرى، مشيرة الى أن «نهب مستودعات الأسلحة التي تحتوي على الصواريخ، دقّ جرس الإنذار بين أوساط الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا، لكون بعضها قادر على ضرب الطائرات المقاتلة القاذفة والمروحيات الهجومية مثل أباتشي». من جهته، قال القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال كارتر هام، في السفارة الأميركية بالجزائر، «هناك انتشار للأسلحة مثل البنادق والمتفجرات، وهذا ما يثير قلق الجميع. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى، فإن القضية واضحة جداً، وهي أن السيطرة على السلاح هي مسؤولية المجلس الوطني الانتقالي». وأشار إلى أن بلاده تبذل جهداً كبيراً في هذا الجانب، قائلاً «إن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت مجموعات إلى عدة دول في المنطقة، بما فيها الجزائر، للتباحث مع المسؤولين في الآليات الجيدة لمراقبة حركة الأسلحة».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)