«أيلول الأسود» و«استحقاق أيلول». عبارتان «صرعتنا» بها ألسن اصحاب الشأن منذ أشهر، مترددة على كل الشفاه، خارجة من كل الشاشات، هذا دون حساب المجموعات الأُخرى التي لم تملّ من تفعيل مواقع استطلاع الرأي بشأن إعلان الدولة الفلسطينية عضوا في الامم المتحدة (وليس اعلان الدولة الذي سبق ان تمّ في العام 1988 في الجزائر) وغيرها مِمّن دعا إلى الاعتصام إلكترونياً فقط. أما على الأرض، وتحديداً أمام سفارة دولة فلسطين في بيروت، فلا اعتصامات ولا من يحزنون، والسبب كما يقول البعض أنهم لا يريدون أن يظن بهم أنهم يقلدون اللوبي الصهيوني (لاسمح الله) في بعض دول الخارج، لجهة إقامته اعتصامات دورية ضد عضوية الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة، وذلك أمام السفارة الإسرائيلية أو سفارة دولة فلسطين إن وُجدت. هكذا، «طوشونا» بشهر أيلول. ما دفع مجموعة من الشباب الفلسطيني الغاضب والناشط إلكترونياً إلى إطلاق حملة تحت عنوان «كرّهتونا بشهر أيلول» على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. «يا ريت أمريكا تستعمل الفيتو على قرار إعلان دولة فلسطين عضو بالامم المتحدة، ساعتها رح تكون المرة الأولى إللي بوافق فيها على موقف أمريكي»، تقول صديقتي التي لا أعرف صراحة إن كنتُ أوافقها الرأي. ولكن المنطق يقول إن الدولة التي يتحدث عنها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بالكاد تشكل خُمس فلسطين التي نعرفها والتي نريد استعادتها بكاملها. وهذا الخُمس هو بالمنطق أيضاً مشطورٌ إلى نصفين: بين قطاع غزة والضفة الغربية. وأكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني هو لاجئ ومحروم من حقوقه السياسية التي تمنحها الحكومة الفلسطينية لشعبها كالتصويت في انتخاب مجلس وطني أو غيره من الاستحقاقات الوطنية! يبقى الاستنتاج المنطقي، على الأقل بالنسبة إلي، أن الاعتراف «بشبه الدولة هذه» يعني «عدم الاعتراف بباقي الدولة»، أي بكامل التراب الوطني الفلسطيني، ما يعني تلقائياً الاعتراف «بدولة إسرائيل» القائمة على أراضي الـعام 1948 وقريباً ببعض أراضي العام 1967التي تشهد نشاطا غير مسبوق لبناء مستوطنات فيها، ما يعني أيضاً عدم الاعتراف «بحق العودة للاجئين الفلسطينيين في الشتات»، ما يعني أخيراً الإسهام في مشروع توطين هؤلاء في البلدان التي لجاوا اليها او غيرها من تلك التي تعرب عن ترحيبها بتوطينهم لا بل دفع إغراءات لجعلهم يتخلون عن حق العودة. وبالتالي إلغاء الهوية الفلسطينية وتوقيف عمل الأونروا، وإيقاف تدفّق المساعدات إلى مخيمات الشتات... إلخ. باختصار، لا يعود استحقاق أيلول بفائدة على أحد، بالأخص على اللاجئين الفلسطينيين في العالم، وبالأخص على اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان؛ لأنهم بالأساس عُقدة سياسية لبنانية لا يمكن حلّها ولو لآخر يوم في عُمر هذا البلد! يا سلام على دولة يرفض رئيسها الاعتراف بحق شعبها في وطنهم، ويرفض الاعتراف بالمجازر التي حصلت بحقه من خلال الاعتذار من بعض الميليشيات اللبنانية المتطرفة، ويرفض ـــ ولو بالحد الأدنى ـــ الإسراع في معاملات تحسين أوضاع اللاجئين في المخيمات. ويا سلام عليكِ يا سفارة دولتنا في بيروت، فعلاً يا محمود عبّاس كرهّتنا شهر أيلول!