حسمت «حماس» خيارها في ما يتعلق بـ«استحقاق أيلول» الخاص بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة. وبعد تضارب في المواقف بين قيادات الحركة في الفترة السابقة، بين مؤيّد بحذر أو غير ممانع للتوجه إلى المنظمة الدولية، وبين معارض، رست «حماس» خلال اليومين الماضيين على إعلان الرفض المطلق لخيار رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس. رفض ترافق مع حملة تصعيد. فإثر بيان نواب الحركة الإسلامية في المجلس التشريعي، خرج أمس القيادي صلاح البردويل ليحذّر من «نجاح» خطوة السلطة، التي رأى أنها «خطوة تكتيكية تحريكية، وجزء من عملية التفاوض وليست جزءاً من مبادئ». وزاد على ذلك أن الحركة «ستمنع أي تحرك شعبي في قطاع غزة لمناصرة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة». الموقف «الحمساوي» غريب في توقيته وحدّته مع اقتراب موعد الاستحقاق الأممي، الذي كان الدافع الأساسي لمحمود عباس للتوجه نحو توقيع اتفاق المصالحة مع الحركة الإسلامية، ليكون توجّهه إلى الأمم المتحدة معبّراً عن صوت فلسطيني واحد. من هنا يفسّر بعض المراقبين أن موقف «حماس» مرتبط مباشرة بتعثّر عملية المصالحة مع حركة «فتح» وتوقفها عند حدود التوقيع في القاهرة قبل أشهر، الذي لم يترجم شيء منه على أرض الواقع بعد الخلاف على تسمية رئيس الوزراء، إضافة إلى الخلافات على الملفات الأمنية والحياتية، التي لم تفلح اللقاءات المتكررة بين موفدي الحركتين، وآخرها كان قبل أيام في بيروت، في التوصل إلى صيغة توفيقية في شأنها.
ويأتي موقف «حماس» ليؤكّد أن الحركة توصلت إلى نتيجة بأن لا مجال لتطبيق اتفاق المصالحة على أرض الواقع، والتمايز في الموقف مع محمود عبّاس وسلطة رام الله هو للتأكيد أن للفلسطينيين قيادة أخرى غير تلك التي يعترف بها المجتمع الدولي. غاية «حماس» تؤكدها تصريحات سابقة لمسؤولي الحركة، الذين لم تكن رؤيتهم لـ«استحقاق أيلول» بهذه الحدّية، ولا سيما أن نائب رئيس المجلس التشريعي، أحمد بحر، كان قد حذّر في السابق من مساعي إسرائيل التصعيدية «لإفشال التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة».
ورغم أن الحركة ساقت موقفها في إطار رفضها الاعتراف بإسرائيل وبأن التوجه إلى الأمم المتحدة يضع مصير «حق العودة» في خطر، إلا أن أوساطاً معارضة لـ«حماس» في قطاع غزة لا تتردد في الغمز من قناة «تمسّك حماس» بالتهدئة مع إسرائيل. وتشير خصوصاً إلى تأكيد الحركة منع التظاهر في القطاع، في وقت يترقّب فيه كثير من الفلسطينيين ما يشبه «الانتفاضة الثالثة» في الأراضي المحتلة خلال التصويت في الأمم المتحدة. وترى الأوساط نفسها أن ذلك ينسجم مع استراتيجية الحركة في «تجنّب المواجهة» مع الاحتلال، وهو ما طبقته خلال تظاهرات 15 أيار و5 حزيران، حين منعت الاقتراب من السياج الحدودي الفاصل.
وبغض النظر عن خلفيات موقف الحركة الإسلامية من استحقاق أيلول، هناك من يشير إلى إمكان استغلال محمود عبّاس الموقف لمصلحته، وخصوصاً إذا ما أراد التراجع عن التوجه إلى الأمم المتحدة تحت الضغط الغربي، وبعض العربي، إضافة إلى خشيته أيضاً من تحوّل التظاهرات المرتقبة في الضفة الغربية إلى «انتفاضة» غير مضبوطة. وتتحدث مصادر عن أن عباس لا يزال منفتحاً على تعديل وجهة التوجه إلى الأمم المتحدة إن حظي بـ«عرض مقبول» لاستئناف المفاوضات، مشيرة إلى أن موقف «حماس» قد يساعد عبّاس في النزول عن «شجرة الأمم المتحدة»، التي تقول إنه تورّط فيها بعدما رفعها شرطاً، لم تتم الاستجابة له، لاستئناف المفاوضات. وعلى هذا الأساس، قد يستند أبو مازن إلى «الإجماع» الفلسطيني إن أراد تبرير تراجعه، ولو الجزئي، في الاستحقاق الأممي، ولا سيما أن حركة «الجهاد الإسلامي»، سبقت «حماس» إلى إعلان رفضها لـ«إعلان الدولة الفلسطينية».