... وكأنّ تحركات روبرت فورد تأتي كل مرّة لتنقذ الموقف الأميركي حيال سوريا من رتابته. السفير الأميركي في دمشق ينتهج سياسة الاستفزاز منذ فترة. هو لا يتردد في النزول إلى الشارع ولقاء الناشطين والمعارضين علناً في بعض البلدات والمدن السورية. السفير الذي ينتظر منذ عام ونيّف موافقة الكونغرس على تعيينه رسمياً، زار حماة في تموز الماضي، ما أثار أزمة بين دمشق وواشنطن، واستدعى فرض حظر على تحركاته.
وفي 25 آب الماضي تخطّى الرجل الخمسيني قرارات السلطات السورية وزار بلدة جاسم في درعا، والتقى معارضين على مدى أربع ساعات. ومنذ أيام، أدّى الدبلوماسي واجب العزاء بأحد الناشطين السوريين (غياث مطر) في داريا. موقف فورد واضح، هو إلى جانب المعارضين السوريين ويدعمهم. طبعاً، وجوده البارز على «فايسبوك» يكمّل استراتيجيته التواصلية. فهو يشهر مواقف حادّة من النظام السوري في فسحته الإلكترونية، ويردّ على أغلب المعلّقين، وعلى منتقديه خصوصاً... وإجاباته كما أفعاله، لا تمتّ إلى «الدبلوماسية» بصلة.
ففي آخر إطلالاته على صفحة السفارة الأميركية على «فايسبوك» (8 أيلول الماضي)، يردّ فورد مثلاً على أحد محذّريه من التعرض للقتل إذا استمر بانتقاد القمع في سوريا بالقول «هذا مثال على سياسة اللاتسامح التي تمارس في سوريا (…). لماذا لا تسمح السلطات السورية للإعلام بالتجوال بحرية في أنحاء البلاد كما فعلنا نحن في العراق؟».
سياسياً، هو مدعوم من مرجعيته في الخارجية الأميركية، التي تدافع عنه وتبرر تصرفاته بكلام غير معهود. مثلاً، ردّاً على احتجاج السلطات السورية على مخالفة فورد للقرارات الرسمية بعد زيارته مدينة جاسم من دون إذن، قالت المتحدثة باسم الخارجية إن قراره جاء «بعدما رفضتم مراراً وتكراراً طلبه الرسمي... لذا قرر إبلاغكم بزيارته بعدما قام بها».
السفير الأميركي الذي خدم في القاهرة وبغداد والجزائر وغيرها، نجح أخيراً في الحصول على موافقة لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي (بفارق صوت واحد في التصويت)، وهو ينتظر حالياً موافقة الكونغرس الكاملة على تعيينه سفيراً في سوريا. وإذا لم يبتّ المجلس ذلك نهاية العام الحالي، فسيفقد فورد منصبه نهائياً، علماً بأن فورد يعتبر في الأوساط الدبلوماسية الأميركية من «أبرز المستعربين الأميركيين في السلك».
الإعلام الأميركي يبدي إعجاباً بشخصية فورد. فهو حسب توصيفاتهم «الدبلوماسي الذي خلع بذلته الرسمية ونزل إلى الشارع»، وهو «رجل الخارجية الشجاع»، وهو أيضاً «الدبلوماسي الحر وغير النمطي»... صور فورد متجوّلاً في سوريا بقميص من دون ربطة عنق يعتمر «كاسكيت» ويحمل شنطة رياضية على كتفه، تنتشر في الصحف والمواقع الأميركية كإثبات على «تميّزه».
بعض الصحافيين الأميركيين ذهبوا بعيداً في التهليل لفورد والتصفيق له ولما يظهره «من شجاعة وتحدّ عظيمين»: «المجد للدبلوماسيَّين كروكر وفورد» هو عنوان مقال الصحافي ماكس بوت على موقع «كومينتيري». بوت يبدي إعجاباً كبيراً بسفيري الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان وسوريا، ريان كروكر وروبرت فورد. ويركز على «التحدي الشجاع» الذي يبديه فورد تجاه السلطات في سوريا. «المجد لكليهما... ليت الخارجية تستنسخ نموذجيهما وزملاءهما يستوحون من أعمالهما».
زملاء السفير الأميركي يقرّون بأن لفورد «تصوّراً فردياً وخاصاً جداً للعمل الدبلوماسي، ويتمتع بحرية غير معهودة في ممارسة مهماته». المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية، فيليب كراولي، يقول لموقع «هافنغتون بوست» إن «هناك استراتيجية ما بترك الحرية المطلقة لفورد للقيام بكل ما يريده ويراه مناسباً (…) لا شكّ في أن الإدارة الأميركية تثق به إلى حدّ كبير». كراولي يشير إلى أن «قدرة فورد على التواصل مع المواطنين السوريين ومع المعارضة السورية هي أحد الأسباب التي تؤكد ضرورة بقائه في منصبه هناك».
أما السفير الأميركي السابق في دمشق، ريتشارد مورفي، فيقول لوكالة «رويترز» إن «تصرفات فورد قد تدفع السلطات السورية إلى طرده، ما سينقل العلاقات السورية ــــ الأميركية إلى مستوى جديد من النفور والتباعد». مورفي يشرح أن واشنطن «تركّز على الإعداد لمرحلة ما بعد بشار الأسد في سوريا، ولفورد دور مهم في زرع جذور التغيير في البلاد».
«خلال تجربتي الأخيرة في العراق، شاهدت كيف تسلّل الانتحاريون التابعون لشبكات إرهابية خارجية، عبر مطار دمشق، إلى الحدود السورية العراقية لكي ينفذوا عملياتهم في الداخل العراقي»، «بسبب دعمها لحزب الله وتنفيذ سياسات إيران في المنطقة، سوريا ستبقى على لائحة الدول الداعمة للإرهاب»، بهذه الخلفية تسلّم فورد منصبه سفيراً في دمشق، وهذا ما أعلنه في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في آذار 2010. سوريا هي التي تزعزع الأمن في العراق وفي لبنان، وتعرقل عملية السلام، وتطور قدراتها النووية، وتخرّب كافة إنجازات الولايات المتحدة في المنطقة... هكذا يرى فورد البلد الذي سيتولى مهماته فيه إذا جرى التوافق عليه في أواخر السنة الحالية.
«سأحرص على مخاطبة الحكومة السورية مباشرة ومن دون أي مواربة، وستكون هذه أولوية مهمتي»، كان هذا أول ما تعهّد به فورد عند تعيينه سفيراً، وهذا أول ما تخلّى عنه منذ أن وطئت قدماه الأراضي السورية.