اليرموك | أول مرة سمعت فيها اسم أبو رابوس كانت من فترة قريبة، في جلسة مع بعض الشبان الصغار في المخيم. وعندما سألت عنه، قال لي أحدهم إن أبو رابوس هو عفريت شرير يظهر لك في الحلم، ثم عاد وقال أو في الكابوس، يضع يديه على صدرك ولا يسمح لك بالاستيقاظ من كابوسك، ويمسك حتى بيديك وقدميك. علمت في ما بعد أن ما قصده الشاب ما هو إلا كابوس مزعج يرغمك على إكماله بطريقة شبه قسرية، حيث إنك تدرك أنه حلم (كابوس)، لكنك لا تملك الإرادة لإنهائه.منذ أقل من شهر، وتحديداً في 6/6، زارني أبو رابوس. كنت في أحد شوارع المخيم، وكان اسم الشارع من مضاعفات العدد 5 على ما أذكر، وقد كان ممتلئاً بالناس، وكان الجميع يصرخون ويهتفون (لا كابوس بعد اليوم). وفجأة، ظهر أبو رابوس على سطح أحد الأبنية، وبدأ يطلق النار مع مجموعة من أتباعه على الناس. بدأت أصرخ وأحاول الركض، لم أستطع. أبو رابوس مسيطر على الوضع تماماً. سقط عدد من الشبان بين قتلى وجرحى، ولم ينته هذا الكابوس بعد. سألت أحدهم لماذا أبو رابوس منزعج إلى هذا الحد؟ قيل لي إن بيته هنا ولا يحق لنا الاقتراب أو الصراخ. وقال رجل أكبر سناً: «هذا هو أبو رابوس من يوم يومه»، مردفاً: «أنا أعرفه من 83». ساعة بعد ساعة والرصاص لا يزال يطلق، والناس في ازدياد. وأقبل الليل، وازداد الكابوس رعباً في الظلام، وهكذا حتى الرابعة صباحاً.
أول شيء فعلته صبيحة اليوم التالي هو مشاهدة الأخبار كي أتأكد من أن ما حدث في اليوم السابق كان كابوساً فقط. ولكن الشرائط الإخبارية أكدت العكس: 14 شهيداً في مخيم اليرموك. مسلّحو أبو رابوس يطلقون النار في المخيم، أشقاء أبو رابوس يندّدون بالهجوم على بيته. كان كابوساً حقيقياً.
هي ساعات ويظهر لنا أبو رابوس على التلفاز، متّهماً الشبان بالكذب، وأن كلامهم ما هو إلا هلوسات وتخاريف، وتوعّد بأن يحاسب كل من أتى إلى بيته. ومن ثم تحدث صديق له وقال: إن الناس مخطئون. كان عليهم ألا «يتقلو بالعشا»، فلو كانوا ينامون باكراً و«ع خفيف»، ويتوقفون عن شرب المسكرات ويصفّون نيّاتهم، لما واجهوا هذه الكوابيس (كم رغبت في توجيه سؤال إلى صاحب أبو رابوس هذا، أنه لو خرجت فتاة من بيتها متأخرة ليلاً بعض الشيء، وخرج عليها مجموعة من الشبان واغتصبوها، هل ستقول لها وما أخرجك من البيت ليلاً ما بالك ولو قتلت أيضاً؟ ألا يوجد جريمة واضحة ومهما كان السبب، حتى ولو كانت الفتاة بقميص النوم، هل من حق أحد قتلها؟). من ذاك اليوم والكوابيس لا تفارقني، وقلق طوال الوقت. ما يخيفني اليوم ليس أبو رابوس وجماعته الذين يهددون كل من ينتقدهم بالملاحقة، بل هو شعوري كم بتنا نحن والمخيم يتامى.