هلّل الليبيون والعالم لرفع الحظر الدولي على واردات السلاح وتجميد الأموال الليبية في الخارج من خلال قرار أصدره مجلس الأمن الدولي في نهاية الأسبوع الماضي. لكن المراقب للقرارات الدولية السابقة بحق العراق وكيفية تصرف الأمم المتحدة بأموال النفط مقابل الغذاء، لديه أسبابٌ كثيرة لكي ينظر إلى قرار ليبيا الجديد بعين الريبة. فهو مليء بالفقرات القابلة للتأويل والتحريف، ويؤمّن كافة الذرائع للراغبين في السيطرة على ليبيا تحت غطاء لجنة دعم أممية. ففي مساء يوم الجمعة الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 2009 القاضي بتأليف بعثة دعم دولية وإيفادها إلى ليبيا، ورفع على نحو مشروط لتجميد الأصول المالية وتوريد السلاح. القرار، بعد تشديده على دور الأمم المتحدة الريادي في الجهود الدولية الرامية إلى دعم «العملية الوطنية الهادفة إلى بناء ليبيا ديموقراطية مستقلة وموحدّة»، قرر إرسال البعثة الدولية التي ستتولى رسم معالم ليبيا المستقبل. بعثة «يونسميل» هذه مفوّض إليها العمل لفترة أولية تمتد لثلاثة أشهر تساعد خلالها المجلس الوطني الانتقالي على استعادة الأمن في الداخل، وتعزيز النظام العام، ودعم الحوار والمصالحة الوطنيين، وإنجاز عمليتي وضع الدستور وإجراء انتخابات عامة. إلى جانب هذه الأهداف السياسية ستتولى البعثة جملة مهمات تدخل في الأطر الاقتصادية والقضائية ومراقبة صيانة حقوق الإنسان والأقليات ومراقبة كيفية إنفاق الأموال التي سيُفرَج عنها أو عائدات النفط والغاز. وسيكون لها دور في مراقبة مشددة لواردات السلاح التي سمح القرار باستئنافها ضمن قيود شديدة، ولم يرفع القرار منطقة الحظر الجوي التي فرضتها قوات الأطلسي.
يُفترض أن تراقب البعثة عمل المجلس الوطني وترفع تقارير للأمين العام للأمم المتحدة ومنه إلى مجلس الأمن، الأول خلال أسبوعين. وبموجب القرار، على المجلس الانتقالي العمل على جمع السلاح ومنع انتشاره بكافة أشكاله، بما في ذلك «الصواريخ من طراز أرض جو التي تحمل على الكتف والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة»، فضلاً عن تطبيق التزامات ليبيا بمنع الانتشار وفق القانون الدولي. وهذا البند الوارد في الفقرة العاملة الخامسة من القرار في منتهى الأهمية؛ لأنه يمكن أن يمثّل عقبة تحول دون رفع الوصاية الدولية عن ليبيا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ إذ ليس هناك من قوة محلية أو دولية قادرة على جمع السلاح الفردي، وغير الفردي، الذي انتشر بعشرات آلاف القطع، من أيدي الأفراد والمجموعات ضمن دولة شاسعة مفتوحة الحدود بحجم ليبيا. وتصبح هذه المهمة أكثر تعقيداً في ضوء الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بين المجلس الانتقالي من جهة، والمجموعات المسلحة التي شاركت في القتال ودفعت مئات بل آلاف الشهداء، في سبيل خلع العقيد وتطهير المدن من قواته. مجموعات عقائدية تنتمي إلى تيارات إسلامية تنظر إلى القوات الغربية التي ساندتها بعين الريبة، وخصوصاً أن عدداً من أفرادها تعرض للتعذيب والتنكيل والقتل على أيدي الاستخبارات الليبية بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول أوروبية شريكة.
البعثة ستشرف على «ضمان سلامة المواطنين الأجانب في ليبيا، ولا سيما الذين تعرضوا للتهديد وسوء المعاملة أو إحداهما»، كما ورد في البند (د) من الفقرة العامة الخامسة في القرار، وهي ناحية تصلح لحماية العمال المدنيين أو المرتزقة الأفارقة، وتصلح لكي تكون ذريعة للتدخل العسكري الأجنبي في حال اختفاء أو اختطاف أجانب على الأراضي الليبية.
وفي مجال رفع حظر التسلح، جاء في قرار مجلس الأمن إبطال مفعول الحظر في القرارين السابقين 1970 و 1973 بالنسبة إلى الأسلحة والمواد من كافة الأنواع والمساعدة الفنية والتدريب والمعونات المالية وغيرها من أوجه المساعدة المخصصة تحديداً للأمن. وكذلك المساعدة في نزع السلاح، والتي تخطر اللجنة بها مسبقاً، بحيث يجري الاستيراد «إذا لم تعترض اللجنة على العملية خلال خمسة أيام». وبمعنى آخر، لن تكون ليبيا حرّة في تقرير حاجاتها من السلاح وممارسة سيادتها إلى حين إلغاء هذه التدابير.
وبموجب هذا البند، يمكن أن يتسلل رجال الاستخبارات المسلحون والمزودون بوسائل قتالية مختلفة إلى ليبيا بشكل شرعي تحت غطاء الوكالات المختلفة كما حصل ويحصل في كل من أفغانستان والعراق.
لكن القرار اكتفى بإبقاء الفقرات من 6 إلى 12 من القرار 1973 «قيد المراجعة المستمرة». وهذه الفقرات تتعلق بمنطقة الحظر الجوي وطلعات طائرات الأطلسي في أجواء ليبيا وشنها غارات تحت حجة حماية المدنيين. أمر نظرت إليه روسيا والصين ودول كثيرة بعين الريبة. وقال السفير الروسي، فيتالي تشوركين، إن المهمة الرئيسية للبعثة الجديدة بالتركيز على تحقيق السلام، لكن، «من المهم أن يعكس القرار الجديد نيّة المجلس النظر في المستقبل القريب، في قضية رفع حظر الطيران» المفروض على ليبيا. هذا الرفع سيكون تدريجياً بالتشاور مع السلطات الليبية، حسب نص القرار.
اشترط المجلس في الإفراج عن الأموال الليبية المحتجزة في الخارج بموجب قراريه السابقين مراقبة لجنة العقوبات على أن يلبي الإفراج احتياجات ليبيا الإنسانية، وتوفير الخدمات العامة وإعادة تأهيل قطاع الطاقة وبناء مؤسسات الدولة والبنى الأساسية المُهدّمة وتسهيل حركة القطاع المصرفي، بما في ذلك إحياء وسائل تعامل ليبيا التجاري مع الخارج. لكن دبلوماسيين أكدوا لـ«الأخبار» أن مليارات الدولارات ستبقى مجهولة المصير بحكم الصيغ المعقدة التي استخدمها القذافي وأتباعه في تمويه مصادرها واستخداماتها. وستتمكن الدول المحتجِزة للأموال من الإفراج عنها بعد مرور خمسة أيام على إخطار اللجنة الدولية.
أتى القرار 2009 بعد قليل من موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن يمثل المجلس الوطني الانتقالي ليبيا في المنظمة الأممية، ابتداءً من الاجتماع المقرر للجمعية العامة في هذا الأسبوع، بتأييد 114 دولة، ومعارضة 17، بينما تغيبت 15 دولة عن التصويت.
ومثل نائب ممثل ليبيا الدائم في الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، الذي انشق عن نظام القذافي في شباط الماضي، المجلس الوطني الانتقالي. وأعرب عن تطلع بلاده لإنشاء «بعثة تقوم على السيطرة الوطنية لكافة الجهود».