لا يختلف الموقف الأوروبي كثيراً عن نظيره الأميركي في ما يتعلق باستحقاق أيلول الفلسطيني، رغم بعض التباين بين الدول الأعضاء، الذي يخشى الاتحاد أن يظهر إلى العلن خلال اجتماع الأمم المتحدة. الاتحاد الأوروبي لم يخرج بعد بموقف موحد من التصويت لصالح أو ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن، غير أن الواضح أنه توصّل إلى صيغة حل وسطي رافض بالمطلق لمثل هذا التوجه، ويرى بالمقابل أن الصيغة الأنسب هي الجمعية العامة.أوروبا وجدت في الجمعية العامة الصيغة الأمثل لتجنب الانقسام الذي كان يؤرق زعماء الاتحاد، ولا سيما أن بعض الدول أبدت استعدادها لدعم المطلب الفلسطيني، وفي مقدمتها إسبانيا، فيما أعربت دول أخرى، ولا تزال، عن معارضتها للخطوة، وتأتي ألمانيا وإيطاليا في طليعة هذه الدول. وبين هذا وذاك، لا تزال هناك دول لم تحسم موقفها النهائي من الاستحقاق، فرنسا على سبيل المثال، لم تعلن صراحة ما إذا كانت ستصوت مع أو ضد الاستحقاق، الوضع مماثل بالنسبة إلى بريطانيا، التي ذكرت معلومات صحافية أنها تتعرّض لضغوط أميركية غير مسبوقة لعدم تأييد المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن.
على هذا الأساس جاءت المبادرة الأوروبية، التي تبدو موحّدة وتقودها فرنسا، وهي عبارة عن مطالبة القيادة الفلسطينية بعدم التوجه الى مجلس الامن والاكتفاء بالتوجه الى الجمعية العامة للامم المتحدة. وبحسب المبادرة، التي سبق أن كشفت عنها مصادر فلسطينية، فإن الدول الأوروبية تعتقد أن لا مجال لتمرير اي قرار في مجلس الامن الدولي في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل تلويح الإدارة الأميركية باستخدام حق النقض، لذلك فهي تعتقد أن من الأفضل التوجه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من الممكن أن تدعم الدول الأوروبية الطلب الفلسطيني. طلب لن يكون في هذه الحال على شاكلة اعتراف بالدولة الفلسطينية، بل تحسين وضع منظمة التحرير في الجمعية العامة، ورفعها من هيئة مراقبة إلى دولة مراقبة، وهو الوضع الذي تتمتع به دولة الفاتيكان، الأمر الذي سيتيح لفلسطين الانضمام الى المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومحكمة الجنايات الدولية والمحكمة العليا الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية.
المقترح قدّمه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شخصياً إلى الفلسطينيّين، ودعمته فيه إسبانيا، التي كانت في البدء مؤيدة للاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية. غير أن مدريد عادت ورأت في الصيغة الوسطية الحل الأمثل، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الإسبانية، ترينيداد خيمينيز، قبل أسبوعين، حين طلبت منح الفلسطينيين «أملاً بأن دولتهم ستتحول إلى واقع». وفي رأيها فإن هذا الأمل يكون «في ضم فلسطين كدولة بعضوية غير كاملة، وهو وضع افضل من القائم حالياً».
غير أن الوقت الفاصل بين تطبيق الطرح الأوروبي والطرح الذي يريده الفلسطينيون قليل نسبياً، ولا سيما أن السلطة حسمت موقفها لجهة التوجه إلى مجلس الأمن لا الجمعية العامة، رافضة، على نحو غير مباشر، العرض الأوروبي، الذي من المفترض أن يُقدّم مرة أخرى، على نحو رسمي، خلال ساعات. ويثير قرار السلطة الفلسطينية الكثير من الاستغراب، وخصوصاً أن الرئيس محمود عبّاس، يدرك أنه سيواجَه بفشل في مجلس الأمن، سواء لجهة عدم تمكنه من جمع الأصوات التسعة اللازمة، وهو ما قد يحصل فعلياً إذا اصطفت الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس، إلى جانب الولايات المتحدة، أو إذا استخدمت الأخيرة حق النقض، وهو ما أعلنت رسمياً أنها تنوي فعليّاً القيام به إذا اضطرت إلى ذلك. أما إذا كان عبّاس يراهن على إحراج أميركا، فهو أمر قد جرت تجربته خلال التصويت على قرار تجريم الاستيطان في الأراضي المحتلة، الذي استخدمت واشنطن الفيتو ضده قبل شهور قليلة من دون أن يرفّ لها جفن.
السؤال اليوم، بعد الفشل الذي يبدو أن احتمالاته أكبر في مجلس الأمن، هل سيبقى العرض الأوروبي بالتوجه إلى الجمعية العامة قائماً؟