رام الله | الانقسام بخصوص خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتوجه إلى الأمم المتحدة ليس فقط على مستوى الفصائل، بل حتى إن آراء السياسيين مختلفة على جدوى مثل هذا التوجه وغاياته. فالمحلل السياسي، المرشح الرئاسي السابق، عبد الستار قاسم يرى أنه «لا ضرورة لخطوة الأمم المتحدة، لأنها مضيعة للوقت، واستهلاك للجهد، وإلهاء للناس»، بينما يراها مدير مركز الأبحاث السياسية والاستراتيجية «بدائل»، المحلل هاني المصري، خطوة لا بد منها بعد فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي استمرت عقدين من الزمان.هذا التباين لا يقتصر على المحللين فقط، فهو يعكس كذلك حالة التباين الموجودة في الشارع بين المواطنين العاديين، فمنهم من يتابع ويعرف تفاصيل الخطوة التي أقبلت عليها القيادة الفلسطينية، ومنهم من لا يعرف معناها، ولا حتى تبعاتها التي قد تكون كارثية بكل ما للكلمة من معنى.
عبد الستار قاسم، خلال حديثه لـ«الأخبار»، رأى أن «أمامنا الكثير من القضايا كي نستعيد الوحدة الوطنية، ونعزز قدراتنا في مواجهة الاحتلال، ونعيد ترتيب أوضاعنا الاقتصادية، أما الذهاب إلى الأمم المتحدة فهو هروب من الواقع الذي وضعت السلطة الفلسطينية نفسها فيه». كما يذكّر بنقطتين رئيسيتين، أولاهما قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة عام 1947، الذي أعطى الفلسطينيين وقتها 44 بالمئة من الأرض، بينما الرئيس عباس يريد الآن 22 بالمئة فقط بذهابه إلى الأمم المتحدة. أما النقطة الثانية فهي وجود إعلانين للاستقلال، الأول عام 1948 الذي يقيم الدولة على عموم فلسطين، والثاني عام 1988 الذي يقيم دولة بحسب القرار 181، بينما طلب القيادة الفلسطينية الآن يناقض هذين الإعلانين.
ولهذا، يقول قاسم، الخطوة ليست مجدية، ولن نحصل على نتيجة، سواء كانت الأمم المتحدة لمصلحة الاعتراف أو ضده. ويرى أن ما نحن بحاجة إليه الآن هو «أن يكون هناك هيئة وطنية لإدارة الشؤون المدنية واليومية في الضفة وغزة وتكون هذه الهيئة من مستقلين، كما أن هذه الهيئة لا تتدخل في السياسة مطلقاً، ثم يصار إلى إعادة بناء منظمة التحرير على أسس جديدة، بحيث يشارك فيها الجميع، مع وجود إشراك كل الفلسطينيين في صنع القرار لأن الضفة لا تمثل كل الفلسطينيين، وأخيراً وجوب إعادة تشكيل تحالفاتنا لأن هناك ميزان قوى جديداً بسبب الربيع العربي، وبعد حربَي لبنان وغزة».
ويختتم بالقول «تجاهلنا لميزان القوى الجديد يعني أننا لا نريد حل القضية الفلسطينية». ويتابع «يجب تغيير مصادر التمويل لأن ما يأتينا الآن هو على حساب إرادتنا الوطنية، ونحن نريد عكس ذلك».
أما المحلل السياسي هاني المصري، الذي التقته «الأخبار»، فيعتقد بوجوب التوجه إلى الأمم المتحدة، لكن حتى تنجح هذه الخطوة كان يجب أن تكون جزءاً من استراتيجية شاملة، وليس الذهاب وحده، لأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يمكنهما تقديم دولة للفلسطينيين، إذا لم يكونوا هم قادرين عليها.
المصري، رغم تأييده للخطوة، لم يخف قلقه من تبعات ذلك، وتحديداً من الفشل، الذي هو بعدة مستويات، فهناك فشل «أن لا نحصل على دولة كاملة، وفشل أن لا نحصل حتى على دولة مراقبة، وبالتالي العودة بخفّي حنين. كما أن الذهاب إلى مجلس الأمن مباشرة فيه الكثير من التوقعات، «الفيتو» الأميركي، أو عدم طرح القضية للتصويت وهذا سيئ، أو عدم الحصول على أصوات 9 دول وهذا أسوأ، كما أن استبعاد الذهاب إلى الأمم المتحدة رغم وجود أغلبية للفلسطينيين هناك يعدّ خطأ، رغم إمكان إصلاحه لأن الوقت لم يفت بعد».
المصري عاد ليؤكد أن الاستراتيجية الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن كان يجب أن تكون موحدة، وليست بملف الدولة فقط، بل بحق تقرير المصير، واللاجئين والحدود وغيرها الكثير من الملفات. ورأى أن «الأمم المتحدة هي لفتح مسار جديد لأن مسار المفاوضات فشل، بل كان محكوماً بالفشل».
وتحدّث المصري عن وجود الاستعداد لكل الاحتمالات، وخصوصاً بعدما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستخدم الفيتو، وهذا لو حدث فإنه «سيعني بالضرورة تدهور العلاقات الفلسطينية الأميركية والإسرائيلية، والتغلب عليه يتطلب عوامل عدة، أهمها الوحدة، خطة للتقشف، بدائل عربية ودولية للتمويل الذي تحصل عليه السلطة والحكومة الفلسطينية».
الفلسطينيون يعيشون حالة من الترقب والقلق، أولاً بانتظار انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومتابعة خطاب عباس، وتقديمه الطلب إلى مجلس الأمن لنيل عضوية كاملة لفلسطين في الهيئات الأممية مجتمعة، وثانياً لما يخططه المستوطنون اليهود تجاههم من مسيرات وإطلاق نار وكلاب، وثالثاً للنتائج التي قد تخرج عن خطوة القيادة الفلسطينية، وتنعكس عليهم وعلى الأرض مباشرة، وهو ما لا يعرف إجابته أحد.