صنعاء | ظَهَر يوم أمس بوضوح، أنه لا أحد يستطيع إقناع قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله صالح بوقف آلة العنف التي فجّرها قبل ثلاثة أيام، وحصدت حتى الآن نحو ثمانين ضحية قُتلوا بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة؛ فالاجتماع الذي حصل في مقر السفارة الإماراتية بصنعاء بين السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فايرستون، بمعية ممثل عن الاتحاد الأوروبي، والأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، لم يخرج بشيء نتيجة لتمسك نجل الرئيس صالح بموقفه، ما اضطر الزياني إلى قطع الاجتماع والخروج مبكراً. وفيما قيل إن خروج الزياني كان للقاء ممثلين عن المعارضة، شدد أحد ممثلي أحزاب «اللقاء المشترك» المعارض على أنهم لا يستطيعون عقد مثل هذا اللقاء في الوقت الذي لا يزال فيه دم اليمنيين يسيل في الشوارع. تطورات توحي بأن الأمور ستأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً مما هي عليه الآن، في ظل تخوُّف من سيناريو «الصوملة» من ناحية الحرب الأهلية، الذي لطالما هدّد به علي عبد الله صالح اليمنيين، والذي بدأ يرى النور فعلاً في شوارع العاصمة صنعاء. وتُرجم السلوك الاستفزازي لأحمد صالح من خلال توزيع القوات التابعة له في مناطق مختلفة من صنعاء، حيث تتكفل القوات النظامية الخاصة بالحرس الجمهوري بقصف المواقع التي تتمترس فيها القوات التابعة لقائد الفرقة أولى مدرَّع، المنشق عن النظام اللواء علي محسن الأحمر، فيما يتكفل عناصر «بلطجية» مسلحون يرتدون الزي المدني باعتلاء سطوح المباني المرتفعة في بعض الأماكن المطلة على تجمعات المواطنين كالأسواق، وبعض المباني المطلة على «ساحة التغيير»، ومن هناك لا تزال تمارس عملية قنص عشوائية على المارّة بهدف إحداث أكبر قدر من الرعب في النفوس. وفي تطوُّر بارز، قصفت القوات التابعة لنجل الرئيس مواقع لم تكن واقعة في المجال المتاح لها، إذ بلغت القذائف محيط جامعة الإيمان التابعة لرجل الدين الأصولي عبد المجيد الزنداني، المدعوم من اللواء علي محسن الأحمر، وهي الجامعة الواقعة في مساحة ملاصقة لمقر الفرقة أولى مدرَّع، ما أدى إلى مقتل طفل وإصابة نحو 11 شخصاً، فيما تحدثت انباء عن معارك مستعرة في الشوارع بين الموالين والمعارضين للرئيس اليمني أدت إلى مقتل عشرة أشخاص في العاصمة صنعاء.
وعمدت السلطة في الفترة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص بعد انضمام عبد المجيد الزنداني إلى صف «ثورة الشباب» والفرقة أولى مدّرع، إلى التأكيد أن الزنداني هو «أحد رعاة الإرهاب ويستخدم جامعته لتدريب جماعات أصولية جهادية»، في تبرير مسبق لقصفها، على اعتبار أنها «استهدفت مخزناً للأسلحة هناك». وذكرت أنباء عن تعرض أحد قادة حزب الإصلاح، حميد الأحمر، لقصف مدفعي من مواقع الجيش اليمني.
وفي السياق، قصفت القوات التابعة لنجل الرئيس محيط «ساحة التغيير» بالمدفعية، وتحديداً في التقاطع المؤدّي إلى مدخلها الجنوبي، ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى، من بينهم عناصر تابعون للفرقة أولى مدرَّع المكلَّفة حماية مداخل الساحة.
لكن هذا لم يمنع شباب الثورة من الخروج مجدّداً في تظاهرة إلى الشوارع القريبة من أماكن الاشتباكات، وبالقرب من المباني التي يعتليها القناصة التابعون لأحمد صالح، وهو ما نتج منه وقوع عدد من الجرحى، وارتفاع أصوات مطالبة بتجنُّب مثل هذه التظاهرات بعدما انتقلت الأوضاع إلى مرحلة جديدة تنذر بارتكاب رجال أحمد صالح المزيد من الجرائم. ويحدث هذا رغم الأنباء التي نُقلت ليل أول من أمس عن مصادر يمنية معارضة، بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار لم يثبَّت من الناحية العملية على الأرض، إضافة إلى صدور أوامر عليا عن نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي لكافة الأطراف بضرورة وقف إطلاق النار فوراً، من دون أن تجد هذه الأوامر طريقها للتنفيذ أيضاً.
وفي تطور ليلي، انسحب «شباب الثورة» من محيط جسر الزبيري الذي يفصل صنعاء إلى قسمين، مع بقاء العناصر التابعين للفرقة أولى مدرع في مواجهة القوات التابعة لنجل الرئيس صالح، لتندلع مواجهات عنيفة استخدمت فيها مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في مسافة لا يتجاوز محيط قطرها مئة متر مربَّع، وهي منطقة مكتظة بالسكان الذين يعيشون منذ ثلاثة أيام أجواء حرب حقيقية، مع عجزهم عن النزوح من منازلهم.
ويوحي هذا التطور بأن تكون معركة جسر الزبيري نقطة تحدٍّ للطرفين، وعلى وجه الخصوص للقوات التابعة لنجل صالح الذين يرون في استعادة سيطرتهم على المنطقة مسألة رد اعتبار، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل استيلاء شباب الثورة على هذه المنطقة بمعاونة العناصر التابعين للفرقة أولى مدرَّع.
وعلى صعيد ردود الفعل الأجنبية، أعربت المنسِّقة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، عن قلقها من تزايد أعداد القتلى والجرحى من المتظاهرين في صنعاء. ورأى متحدث باسمها أنه لا بد من ممارسة «ضبط النفس وتجنب الأعمال الاستفزازية ووقف العنف واتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع ومحاسبة مرتكبي هذه الأعمال ضد المتظاهرين اليمنيين».