بين دورتين عاديتين لمجلس حقوق الإنسان ودورتين استثنائيتين، تمهّد الأمم المتحدة من جنيف الطريق أمام مجلس الأمن في خطواته المتسارعة لإحالة ملف حقوق الإنسان في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية. كذلك يتوقع أن تمثّل المراجعة الدورية الشاملة لسجل سوريا في حقوق الإنسان، المقررة في 7 تشرين الأول المقبل، فرصة إضافية لاستكمال تبرير التدخل العسكري في سوريا من بوابة حماية المدنيين. جديد جنيف هذا الأسبوع «الجلسة التفاعلية» التي عقدت الاثنين الفائت لمناقشة التقرير الذي أعدّته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان، الذي طلب فيه المجلس من المفوضية أن ترسل بصورة عاجلة بعثة إلى سوريا للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة.
والحقيقة أن المجموعة الأوروبية الناشطة في مجلس حقوق الإنسان لم تنتظر موعد الانعقاد الرسمي للدورة الثامنة عشرة للمجلس، التي افتتحت في 12 الشهر الحالي وتمتد حتى 30 منه، بل سارعت عبر اقتراح تقدمت به بولندا إلى عقد جلسة استثنائية ثانية بشأن سوريا في 23 آب الماضي خصّصت للنظر في نتائج بعثة تقصّي الحقائق، وتبنّت بموافقة 33 دولة واعتراض 4 دول وامتناع تسع، قراراً أممياً جديداً نقل ولاية النظر في الانتهاكات إلى لجنة تحقيق دولية مستقلة على غرار لجنة فينوغراد التي أُلّفت عقب العدوان الإسرائيلي على غزة.
يغطي «تقرير المتابعة» الأحداث التي جرت في سوريا منذ 15 آذار 2011 الى 15 تموز 2011، وهو نتاج عمل بعثة تتألف من 13 عضواً يرأسها نائب المفوضية السامية، ولقد بدأت عملها في 23 أيار 2011. ويشير التقرير إلى أن المفوضية السامية طلبت رسمياً من الحكومة السورية في عدة مذكرات شفوية وطلبات خطية التعاون مع البعثة والسماح لها بدخول الأراضي السورية.
ولقد أجابت الحكومة السورية بخمس مذكرات شفوية إلى المفوضية على قضايا تتصل بولاية البعثة. ورغم أن الحكومة السورية استمرت بالتعاون مع المفوضية، لم تسمح للبعثة بدخول البلد. وفي حزيران 2011 أجرت البعثة ثلاثة تحقيقات ميدانية خارج سوريا، وأجرت مقابلات مع ما مجموعه 180 شخصاً في أربعة بلدان، واتخذت البعثة تدابير لضمان سرية روايات الشهود وضمان حمايتهم.
وجمعت البعثة خلال تحقيقاتها قائمة تضم 50 من الجناة المزعومين على مستويات مختلفة من الحكومة السورية وأجهزتها في ما يتصل بالأحداث الموثقة ضمن تقريرها. ويقول التقرير إن هذه المعلومات «ستبقى سرية، ولكن يمكن المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن تعرضها في سياق تحقيقات مقبلة ولوائح اتهام ممكنة يصدرها مدّع عام ذو كفاءة». اللافت في التقرير وصفه النظام في وسوريا بأنه «أقلية قمعية»، ولقد انتقدت الحكومة السورية هذا الوصف في مذكرة أرسلت إلى المفوضية في 16 آب، واعتبرت استخدامه في التقرير أمراً غير مقبول. وأضافت أن هذه الإشارة، على وجه الخصوص، تثبت النهج المنحاز للبعثة.
وفي التقرير أيضاً إشارة إلى أن «ميليشيا مدنية علوية تعرف باسم الشبيحة شاركت في ارتكاب تجاوزات ضد المدنيين». وتقول البعثة إنها استمعت إلى روايات متعددة أنه كان هناك مقاتلون أجانب وناشطون خلال العمليات التي جرت في أماكن عدة، حيث ادّعى عدد من الشهود الذي جرت مقابلتهم أنهم سمعوا خلال الهجمات على المساجد والأماكن العامة أشخاصاً يتحدثون بلغات أجنبية، وأن «بعض الشهود لم يحددوا ما هي اللغة الأجنبية التي سمعوها، وبعضهم الآخر جزم بأنه سمعهم يتحدثون باللغة الفارسية».
بدورها ردّت الحكومة السورية على هذه الادّعاءات بالقول إن الأشخاص الذين قدموا معلومات إلى البعثة في مخيمات اللاجئين قد خالفوا القانون السوري، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم مصادر موثوقة. وخلصت البعثة إلى وجود نمط من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا يتمثل في هجمات واسعة النطاق أو منهجية ضد السكان المدنيين قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وطلبت من مجلس الأمن أن ينظر في إحالة الوضع في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية.