رددت نشيدها الوطني دون تلكؤ. وبالحماسة عينها التي كانت تردده بها منذ ما ينوف عن السبعين عاماً في كنيسة الروم الأرثوذكس بقريتها المجيدل الجليلية جنوب مدينة الناصرة. لم أعِ تماماً السبب الذي دفع جدتي، التي تدخل عامها السادس والثمانين، إلى أن تلقي على مسمعي النشيد الوطني الفلسطيني إبان عهد الانتداب البريطاني. لا تقرأ «ستي» السياسة ولا يشغلها ما يشغلنا في هذه الأيام، أعني استحقاق أيلول الفلسطيني، وما يمكن أن يحمل هذا الاستحقاق في جعبته من تداعيات وتخوفات تلقي بظلالها على المشهد السياسي والقانوني الفلسطيني، وموقع اللاجئين الفلسطينيين منه. ما يشغلها دوماً ذاكرتها التي تعيدها إلى ترديد السلام الوطني أمام جدار الكنيسة.شبح الفيتو الأميركي يحوم بلا هوادة «يا ستي» حول المسعى الفلسطيني ولا شك سيقف بوجهه، إن علت أصوات التجاذبات في الشارع الفلسطيني بين مؤيد ومعارض للمسعى أم لم تعلُ، إضافة إلى أن فكرة إقامة دولة فلسطينية تبدو ضرباً من الخيال في ظل استيلاء الاستيطان على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، لكن من الجيد أن الخطوة الفلسطينية، التي تأتي في ظل محيط عربي ملتهب بنيران التغيير الديموقراطي، ستضع الدول أمام مسؤولياتها، وستظهر الشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى جديراً بدولة مستقلة وذات سيادة كاملة. كيف لا يا «ستي» وإقليم جنوب السودان أصبح دولة جديدة بقدرة قادر، حملت الرقم 193. عندما يكون الحديث عن العودة إلى «البلاد» وجبة الغذاء اليومية للاجئين الفلسطينيين، يصبح الهاجس الذي يعيشه معظم اللاجئين من خطوة الاعتراف بالدولة، وهو المساس بحق العودة والدفاع عنه أكان صادقاً أم مرائياً، أمراً طبيعياً، بل وضرورياً، لكن حق العودة، هذا الحق السياسي والقانوني والأخلاقي، لا يمكن إزالته من القاموس العالمي، طالما لا أحد على قيد الحياة يستطيع إزالته من مفردات ذاكرة اللاجئ الفلسطيني. أحلم كما أصدقائي يا «ستي» بيوم يُعد فيه أبناء شعبي العدة موحدين لتشجيع منتخبهم الوطني في مباراة رياضية متناقلين أخباره كما الجارات الفضوليات. أحلم بعلمي الوطني يرفرف بين أعلام بلدان العالم حراً هادئاً من ضوضاء الاحتلال. أحلم بزفاف عادي لا ينغصه غياب ابن عم العريس وراء القضبان، ولا الحداد على شقيق زوجته الذي استشهد لأنه يحلم مثلي. كابوس المخيم الذي يطاردنا جميعاً يا «ستي» لن ينتهي بذهاب الوفد الفلسطيني إلى أروقة الأمم المتحدة، للمطالبة بالاعتراف الأممي بدولة فلسطين على أراضي الـ67، لكن حقكِ في العودة إلى كنيستك تكفله، إلى جانب ما صدر من قرارات دولية، عيناكِ اللتان لا تملان الانتظار.