عين الحلوة | «شفتك يا علم بلادي أحمر، أحمر، لون الدم»، أغنية صدحت من مذياع متهالك لفظ أنفاسه لاحقاً. على وقع الأغنية راح مقاتلو حركة فتح يضيفون إلى غابة أعلام فلسطينية رفرفت بكثافة على سطوح منازل عين الحلوة وعلى السيارات، أعلاماً أخرى عُلّقت على حبال زينة عند مدخل المخيم، وبينها لافتات تحدثت عن «الدولة الفلسطينية حق لا رجوع عنه». هكذا، استبق سكان المخيم ذهاب الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة لطلب «إعلان فلسطين دولة عضواً فيها»، فاحتفلوا باكراً كأن مقعد فلسطين في المنظمة الدولية بات «مضموناً وبالجيبة»، متجاهلين حقيقة أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد لوحت باستخدام «فيتوها» لإعاقة حلم فلسطيني باعتراف أممي بدولة فلسطينية تولد من رحم مأساة تاريخية، سببها اغتصاب إسرائيل لأرض فلسطين. تلامذة المخيم دشنوا عامهم الدراسي بوقفة تضامن مع الذات الفلسطينية، وحيوا على طريقتهم دولة فلسطينية منتظرة «صباح الخير يا فلسطين». قالوها عشرات المرات، في مقر شعبة عين الحلوة في حركة فتح، بحضور لافت لفلسطينيين للتزود بأعلام كي يرفعوها. «كثافة الطلب وقلة العرض»، هذا ما شكا منه المسؤول في الحركة عماد بليبل، متسائلاً: «كيف لنا أن نتدبر كميات إضافية من الأعلام ولا موازنات كبيرة لدينا؟». بليبل بدا واثقاً بإعلان الدولة، الحلم الفلسطيني منذ عام 1948. فتحاوي آخر هو عاصف جبر أبدى تفاؤله غير الحذر «بوجود السيد الرئيس أبو مازن سيقوم الكيان الفلسطيني ولن تؤثر الضغوط الأميركية والدولية».
مدرّسة في وكالة الأونروا امتنعت عن ذكر اسمها قالت « إنّه لو لم يتحقق حلمنا، فمجرد ذهابنا إلى الأمم المتحدة وخوضنا كفلسطينيين معركة شرعية أممية وقانون دولي، يُعدّ إنجازاً، وهو يعري مجتمعاً دولياً يكيل بمكيالين، مجتمعاً غير متوازن وغير عادل».
علي فريج، طفل فلسطيني كان يتكأ على عكازيه استوقفته «بوسترات» تضمنت صوراً لأبي عمار وأبي مازن وفيها «فلسطين الدولة في الأمم المتحدة، أيلول حق واستحقاق، ولا تسقطوا الغصن الأخضر» وخلفيتها القرار 194، أمعن علي جيداً معلقاً: «الله يشفيني، وتحيا فلسطين».
أما محمود أبو ركيع، فمارس طقوساً احتفالية على طريقته، هو ليس بفنان أو عازف، لكنه حمل غيتاراً زين محله، وبعزف عبثي راح ينشد على رصيف المخيم قيام دولة فلسطينية، «يا أبو مازن سير سير، دولة دولة بالتأكيد، والنصر آت لا ريب».
على عكس مظاهر الابتهاج لدى الفتحاويين، فإن مناصرين لحركة حماس وقوى فلسطينية أخرى انتقدوا اندفاعة «فتح وأبي مازن» باتجاه منظمة دولية لم تحفظ حق الفلسطينيين، ولم تُعدهم إلى بلادهم وفقاً للقرار 194، واصفين الخطوة بالمغامرة والمقامرة، أو أضعف الإيمان بـ«الخطوة غير المدروسة»، على حد قول محمود الحسن، مشيراً إلى «أنّ دولة فلسطينية كتلك التي ينشدها أبو مازن، ليست بدولة وليست حلم الفلسطينيين، لكونها تتخلى عن فلسطين التاريخية». رجل آخر أبدى اعتراضه ليس لسبب سياسي أو موقف وطني لا يريد من خلاله التفريط بفلسطين التاريخية، بل لاعتقاده «بأنّ إعلان الدولة يعني، قطع الرواتب عن عناصر المخيمات، وسيقال لنا دبروا رؤوسكم».
«فكرة ورصاص وحجر أنتم»، عبارة خُطت على صورة عملاقة جمعت أبا عمار وخلفه أبو مازن، فلسطينيون تهكموا عليها «أكثر ما يزعج أبا مازن هو الرصاص والحجر».



أنا بانتظارك ملّيت

أقامت منظمة التحرير والسفارة الفلسطينية الجمعة الماضي احتفالاً في ملعب مخيم مار الياس، وذلك لمتابعة كلمة الرئيس أبو مازن مباشرة من الأمم المتحدة. اللاجئون جاؤوا من مختلف مخيمات لبنان. استمعوا إلى الفرق الموسيقية وهي تنشد أغاني الثورة الفلسطينية. من الساعة الخامسة حتى السابعة بقي هؤلاء يرقصون على وقع أغاني ثورتهم. مع اقتراب موعد كلمة محمود عباس، كان أغلب هؤلاء قد ملّوا وتركوا الملعب ليشاهدوا الخطاب من منازلهم.