دمشق | كأنّ السوريين لم تكن تنقصهم الأزمات على أرض الواقع، حتى تندلع حرب إلكترونية تُستخدم فيها شتى الوسائل المعقولة وغير المعقولة. فمع كل خبر يتعلق بالشأن السوري، لن يكون من المستغرب هطول التعليقات كالمطر على الشبكة العنكبوتيّة بين مؤيد ومعارض. موقع «الفيس بوك» كان له نصيب الأسد في الحرب الإلكترونية.
وإذا كان رواد الموقع قد أجمعوا على دعم الثورات في مصر وتونس وليبيا، فإن دعوة بعض النشطاء إلى التظاهر في الخامس من شباط تحت مسمى «يوم الغضب السوري» أشعلت نقاشات عدة بين داعم للحراك ومعارض. وفي مطلق الأحوال، مرّ ذلك اليوم ولم يحدث شيء فخمدت النقا شات لتعود وتشتعل مع اندلاع التظاهرات في سوق الحميدية الدمشقي، ومن ثم في درعا. وبدا واضحاً أن المعارك الإلكترونية اشتعلت لتبرز بين صفحات الداعمين للحراك الشعبي صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد»، التي عمد النظام الى حجبها، قبل أن يشن الموالون حرباً عليها، مستخدمين الشتائم والألفاظ النابية وفبركة الصور لأعضائها، فعمدت إدارة الموقع إلى إغلاق الصفحة، الأمر الذي دفع منشئها الى إطلاق صفحة بديلة لم تنفع معها هذه المرة التبليغات بكونها تحرض على العنف. وتعود الصفحة الأشهر بين صفحات المعارضة الى مؤسسها فداء السيد، العضو في الإخوان المسلمين، والمقيم في السويد. ولعل هذا ما يفسر نوعاً ما الصبغة الدينية التي تصطبغ بها الصفحة المذكورة.
وفي موازاة صفحة الثورة السورية، تبرز صفحات التنسيقيات المحلية لكل مدينة او حي، التي تعمد إلى نقل أخبار التحركات في المناطق. وتبرز في المقابل مجموعة مثقفي «أحرار سوريا الحرة»، التي أسّسها الصحافي اياد شربجي، بالاشتراك مع عدد من الصحافيين والناشطين، وتبدو رغم قلة عدد منتسبيها، مقارنةً بالتنسيقيات وصفحة الثورة، الأكثر موضوعية. ومن اللافت نشرها وترجمتها ما تكتبه الصحافة العالمية عن الشأن السوري، إضافة إلى حال النقاشات التي تشهدها، والتي تبدو عقلانية مقارنة بغيرها.
ولا تخلو صفحات موقع التواصل الاجتماعي من الفكاهة، حيث عمد أحد الناشطين الى إطلاق النسخة الكوميدية من صفحات الثورة السورية تحت مسمى «الثورة الصينية ضد طاغية الصين»، حيث يبدو لكل حدث سوري مقابله الصيني، بطريقة تبلغ فيها الكوميديا السوداء ذروتها.
وفي مقابل صفحات المعارضة الجادة منها والفكاهية، لا يبدو موالو النظام مقصرين البتة إزاء حربهم الإلكترونية. ورغم انتشار عدد هائل من الصفحات الداعمة للنظام، إلا أن صفحة «الجيش السوري الإلكتروني» بدت الأقوى. وما زادها انتشاراً تنويه الرئيس السوري بشار الأسد بها في خطابه من على مدرج جامعة دمشق، ثم إعداد الشاشة الرسمية تقارير عنها. ويعمد «الجيش» إلى اختراق صفحات ومواقع الجهات الداعمة للتظاهرات في البلاد، حيث كانت صفحات اوباما وساركوزي وميركل وغيرهم من الزعماء مسرحاً لهجوم من أعضاء الصفحة. كذلك لم تسلم صفحة قناة «الجزيرة» من الحملة الشرسة، فيما كان موقع الرسام علي فرزات ساحة لأحدث عمليات الجيش.
ومعروف عن مؤسس الصفحة، وهو نفسه مؤسس شبكة دمشق الإخبارية (عمار اسماعيل)، قربه الشديد من النظام، وهو عمد، حسب قول عدد من النشطاء، إلى تهديد المعارضين ونشر أرقام هواتف البعض منهم ليتلقوا شتائم وتحذيرات من الموت او الاعتقال.
والمفارقة الغريبة تكمن في اهتمام صفحة «شبكة دمشق» بأخبار الحراك الشعبي في البحرين، بعدما كانت أخبار الثورة في هذا البلد الخليجي شبه منسية في الإعلام العربي، لكن خطوة الملك البحريني بسحب السفير من دمشق، جعلت يوميات ثوار المنامة تحتل حيزاً من أخبار الشبكة.
وبين الجيش الإلكتروني وشبكة دمشق تبرز صفحة ثالثة معنونة باسم الرئيس بشار الأسد، يقول أحد الناشطين إن مؤسسها هو أحد رجال الأعمال في سوريا والمستثمرين في عالم الأعلام. وتعمد الصفحة المذكورة الى الاهتمام والإشادة بشخصية الرئيس السوري وفضح أخبار «قنوات الفتنة». إلا أن اللافت فيها هو نشرها أخباراً تثير الاستغراب، كإصرارها على أن قناة الجزيرة بنت مجسمات لمدن سورية لتصوير التظاهرات او أن الشاشة القطرية أوهمت الناس بأن العاصمة الليبية قد سقطت، وكذلك الأمر مع قناة الجزيرة مباشر سوريا، إذ يتضح أن أعضاء الصفحة وضعوا نصب أعينهم مهاجمة القناة ولو بأخبار قد لا يحتملها المنطق. أما أحدث صفحات الموالين على «الفيس بوك»، فهي تحالف سوري جزائري إلكتروني يتشابه في المضمون مع باقي صفحات مؤيدي النظام، الذين يدعمون بشدة صفحة تدعو إلى الثورة القطرية، هذا إن لم تكن الصفحة نفسها من إنتاج موالي حكام الشام، على حد قول أحد نشطاء الحراك السوري.
هكذا تبدو معارك السوريين الافتراضية. واذا كانت التظاهرات على أرض الواقع تنتهي بالاعتقال او القتل، فإن كثيراً من الصفحات والتعليقات قد تودي بصاحبها هي الأخرى إلى مصير مشابه للحراك الواقعي.