إمارات الخليج وممالكها. لم تعقد صلحاً مع إسرائيل، لكنّها تُطبّع معها. هذا ليس اتهاماً سياسياً، بل واقع يُترجم من خلال العديد من الحوادث والشواهد. ليست أوّلَها مشاركةُ وزير إسرائيلي في مؤتمر في الإمارات العربيّة المتحدة منذ أشهر ثلاثة، ولن تكون آخرَها مشاريعُ شركة «ألستوم» الفرنسيّة في العالم العربي. ففي مخالفة واضحة وصريحة للأعراف والمواثيق الدوليّة، نفّذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مشروع القطار في القدس الشرقيّة لربطها مع الجانب الغربي من المدينة والمستوطنات المقامة في القدس وحولها. يتكوّن المشروع من تسعة خطوط سكك حديديّة، محطته الرئيسية ملاصقة لأسوار البلدة القديمة في القدس. وتربط ستة من هذه الخطوط المستوطنات المقامة على أطراف القدس الشرقيّة بالمدينة القديمة. يخدم القطار نحو مئة ألف مستوطن يوميّاً في مستوطنات «بسغات زئيف»، «التلة الفرنسيّة» و«معالوت دافنا» وتقع جميعها شمال القدس المحتلة، من خلال 23 محطة تحميل ركاب.
يسهم القطار في تكريس الاحتلال والاستيطان في القدس من خلال ربط المستوطنات والكتل الاستيطانيّة، ما يسارع في عملية تهويد القدس من خلال ترسيخ وجود المستوطنات في القدس المحتلة ومحيطها، الأمر الذي يُعَدّ بمثابة جريمة حرب حسب اتفاقيّة جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني.
وتُعدّ شركة «آلستوم» الفرنسيّة شريكاً استراتيجياً للاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ قطار القدس، ويقوم دورها على وضع التصاميم والمخططات والإشراف الهندسي والبنية التحتيّة، فضلاً عن إنشاء المشروع وتمويله وتشغيله وصيانته وتزويده بـ46 عربة قطار في مرحلة أولى. ولا شك في أن مشاركة «آلستوم» بتنفيذ هذا المشروع وتمويله ودعمه تتناقض كلياً مع حقوق الإنسان الفلسطيني حسب القوانين والمواثيق الدولية ذات العلاقة.
في ضوء ذلك، انطلقت عدة حملات فلسطينية وعربية ودولية للضغط على إدارة الشركة للتراجع عن المشاركة في تنفيذ المشروع. من بينها، رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المصريّة لاستثنائها من المنافسة في مناقصة المترو الثالث. وفي فرنسا واجهت «آلستوم» دعوى قضائيّة أمام المحاكم الفرنسية بتهمة انتهاك القانون الدولي. وفي السويد، أوقف صندوق التقاعد الوطني السويدي الاستثمار والتعاون مع «آلستوم» لدورها في تكريس احتلال القدس الشرقية وتهويدها ومخالفتها للقانون الدولي.
بدورها، أجبرت الحكومة الألمانيّة إحدى الشركات الألمانيّة على الانسحاب من مشروع القطار الإسرائيلي لمخالفته القانون الدولي، استجابة للدعوات الشعبيّة لإنهاء أي دور لشركة «دويتش بان» المملوكة جزئياً للحكومة الألمانيّة في بناء القطار الإسرائيلي. وقد أكّدت إدارة الشركة أنها ستوقف على نحو كامل أي نشاط في هذا المشروع ذي الحساسيّة الشديدة.
وتسعى «ألستوم » إلى تصفية عدد من نشاطاتها في إسرائيل من دون أن تصفيها على نحو كامل؛ إذ لا تزال تستفيد من صيانة خطّ المترو الذي أنشئ في القدس وتشغيله. كذلك لديها شراكة مع عدد من الشركات الإسرائيليّة التي تعمل في هذا المجال.

الدول العربيّة تستقبل «ألستوم»

تكفي كتابة كلمة «ألستوم» على محرك البحث غوغل، بالعربيّة أو بالإنكليزيّة «Alstom»، لتبيان عدد المشاريع التي تقوم بها هذه الشركة في العالم العربي. من لبنان إلى مصر والعراق، لكنّ السوق الأبرز لها هو في دول الخليج العربي، وذلك من ناحية الحجم والقيمة الماليّة.
ففي لبنان، وخلال مؤتمر نظّمته الشركة في نهاية أيّار الماضي جمع ممثلين عن عشر هيئات كهربائيّة من دول الشرق الأوسط بدعوة من شركة «ألستوم»، أعلن جهاد عرابي، ممثل الشركة، أنها تدير مركز التحكّم في مؤسسة الكهرباء عبر مجلس الإنماء والاعمار، وهي تقوم بتنظيم عمليّات التوزيع والنقل على الشبكة. ويستفيض عرابي في شرح الواقع الكهربائي في لبنان، فيشير إلى وجود مشاكل عديدة في الكهرباء من التوليد والنقل والتوزيع، أما المشكل الأساسي فهو النقص الكبير في توليد الكهرباء، إضافة إلى اهتراء الشبكة. ولفت حينها إلى أن واقع القطاع حالياً غير مغر للخصخصة؛ إذ يجب تحسين وضع المؤسسة والشبكة. وأشار عرابي إلى أن الحلول تبدأ من خلال إيجاد طرق لتوليد الكهرباء وإصلاح الشبكة، بحيث يمكن بعد ذلك الحديث عن كهرباء 24/24.
ومن العراق تتوالى الأخبار. منها إعلان وزير النقل الفرنسي، تيري مارياني، في نهاية حزيران الماضي أن مجموعة «ألستوم» وقّعت مع شركة سكك الحديد العراقيّة بروتوكول اتفاق لإقامة خط قطار سريع بين بغداد والبصرة، فيما أكّدت المجموعة أن شبكة الخطوط ستكون بطول 650 كلم بين بغداد والبصرة، وستبلغ سرعة القطارات القصوى عليه 250 كيلومتراً في الساعة.
وقد أكّد المتحدث باسم «ألستوم»، أن «الهدف من البروتوكول هو توقيع عقد شامل يتعلق ببناء الخط وتوفير القطارات وقطع غيارها وإشارات المرور والصيانة»، مبيناً عدم وجود «جدول زمني أو تفاصيل ماليّة خاصة بالمشروع حالياً». بدوره، أعلن رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي في مجلس محافظة بغداد، محمد الربيعي، في تصريح صحافي نهاية حزيران توقيع المجلس لاتفاق أولي مع شركة فرنسيّة لإنشاء شبكة القطار المعلّق في بغداد، مبيناً أن المشروع سيموّله البنك الفرنسي بقرض تدفعه الحكومة العراقيّة. وفيما أشار إلى أن القطار سيمر بـ14 محطة وسيقلل من الزخم المروري، مؤكداً أن أقصى مدة لتنفيذ المشروع هي خمس سنوات وبكلفة مليار و167 مليون يورو، أي ما يوازي أكثر من مليار ونصف مليار دولار أميركي.
وفي العراق أيضاً، وقعت الشركة اتفاقية لتحديث محطة كانت الشركة قد بنتها في 1975 في مدينة النجف إلى جانب تدريب بعض المهندسين والتقنيين العراقيين. وقال السفير الفرنسي السابق في العراق بوريس بويون لوكالة فرانس برس في نهاية تموز الماضي إن «ألستوم وقعت بروتوكول اتفاق في مجال إنتاج الكهرباء مع الحكومة العراقيّة». وفي بيان نشر في باريس، أوضحت «ألستوم» أن هذا الاتفاق يتناول ثلاثة مشاريع، يتعلق الأول بتسليم محطة منجزة لتوليد الكهرباء في مدينة البصرة.
وقال بويون «إن هذه المنشأة تضم ثلاث وحدات، كل منها بقوة 400 ميغاوات. وينص المشروع أيضاً على تسليم مراكز كهربائيّة». وأضاف: «إن المشروع الثاني يغطي إعادة تأهيل محطة كهربائيّة بقوة 180 ميغاوات». ويتناول مشروع ثالث تسليم عدة مراكز كهربائيّة في مواقع مختلفة في العراق. ونقلت شبكة «بي بي سي» عن مصادر قريبة من الملف، أن بناء المحطة الكهربائية سيكلف ما بين 1.5 و 2 مليار دولار.
وفي المغرب، أكّد الرئيس المدير العام لـ«ألستوم» باتريك كرون، أن الاتفاق الذي وقّع بين المغرب وشركته بداية العام الحالي، والذي يتعلق بالتزامات مالية للمجموعة بقيمة 9 مليارات ونصف مليار درهم مغربي (نحو مليار ومئة مليون دولار) خلال السنوات العشر المقبلة، يُعد نتيجة وانطلاقة جديدة لشراكة صناعيّة استراتيجيّة لتطوير قطاع النقل السككي النشيط بالمغرب. وبحسب كرون، ستسهم هذه الاتفاقيّة في ترسيخ إرادة الطرفين الموقعين عليها في تطوير شراكات طويلة الأمد، تندرج في «إطار الرؤية التي بلورها جلالة الملك لتشجيع إنجاز البنيات التحتيّة الضروريّة لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وكذا في إطار ميثاق إقلاع».
وفي ما يخصّ الكويت، تؤكّد الحملة الأوروبيّة لمقاطعة «ألستوم» أن الشركة فازت بمشروع إدارة الطاقة الكهربائية في الكويت، وهو بقيمة 20 مليار دولار، وذلك في عام 2010. وهو ما تؤكّد الشركة في بيان لها من دون الإشارة إلى حجم المبلغ. وسبق أن أعلنت شركة ألستوم الفرنسيّة أنها وقعت عقداً قيمته 150 مليون يورو لإمداد شركة الغانم إنترناشيونال للتجارة العامة والمقاولات بخمسة توربينات تعمل بالغاز، وهذا أول عقد توريد توربينات غاز للمجموعة الهندسيّة الفرنسيّة في الكويت منذ الستينيات.
ومن مصر، كتبت جريدة «الشرق الأوسط» السعوديّة في تشرين الأول 2006، أن شركة ألستوم تقدّمت بالعرض الوحيد للفوز بعمليّة التوربينة البخاريّة لمشروع توليد الكريمات 3 جنوب القاهرة والبالغ تكلفته 2065 مليون جنيه (360 مليون دولار) ويستهدف إضافة 750 ميغاوات للشبكة المصرية ضمن خطة توليد مدتها خمس سنوات من 2007 حتى 2012.
لا يقف الأمر على هذا الحدّ. لقد فازت الشركة بالتعاون مع شركات أخرى بتنفيذ المرحلة الأولى من خطّ القطار الذي سيربط مكّة بالمدينة المنوّرة وذلك في آذار 2009، وتبلغ قيمة هذه المرحلة نحو ستة مليارات وثمانمئة مليون ريال سعودي ( نحو مليار و800 مليون دولار). والأخطر أن الشركة تطمح إلى الحصول على العقد الكامل والنهائي. فقد أشارت «رويترز» نقلاً عن فيليب ميليه رئيس قسم النقل في «ألستوم » إلى أن الشركة قدمت عرضاً لتوريد قطارات ومعدات لخط للسكك الحديدية للقطارات السريعة في غرب السعودية. وبحسب ميليه، تبلغ القيمة الإجمالية للعقد 10 مليارات يورو (12.5 مليار دولار ) على الأقل.
كذلك، فازت شركة ألستوم بعقدين تبلغ قيمتهما 57 مليون يورو (82.53 مليون دولار) لمشروع توسيع خمس محطات فرعية، وبناء محطتين فرعيتين في المملكة العربية السعودية. وقد حصلت الشركة على العقدين من الشركة السعودية للكهرباء، وهي المسؤولة عن الشبكة الوطنية للكهرباء. وسيجري إنشاء مشاريع توسعة المحطات الخمس في ديراب، وحريميلا، وآل حايت، والبقعة، والروزان، بينما تقع المحطتان الفرعيتان الجديدتان في الرياض بجهد 132 كيلوفولت /13.8 كيلوفولت وتهدفان إلى زيادة إمدادات الطاقة لمستشفى الملك فهد ومنطقة آل طاوون.
يقول هنري بوبارت لافارج، رئيس ألستوم معلّقًا: «إننا نعتز بتعزيز شراكتنا مع الشركة السعودية للكهرباء، ونؤكد التزامنا بأهمية السوق السعودية من خلال العقدين». وسبق للشركة أيضاً أن فازت في عام 2008 بعقد لبناء المرحلة الأولى من شبكة ميترو دبي في حزيران 2008، وتبلغ حصة الشركة من قيمة العقد نحو 300 مليون يورو (412 مليون دولار).
وتضع الشركة نصب عينيها الحصول على عقد بناء القطار الذي سيربط دول مجلس التعاون الخليجي الست، وسينطلق في غضون ثماني سنوات تقريباً. وفي المعلومات المتوافرة، فإن قيمة المشروع قد ارتفعت من 14 مليار دولار إلى 25 مليار دولار. ومن المرشّح أن ترتفع هذه الكلفة إلى نحو مئة مليار دولار بحسب عدد من المتابعين لهذا الملف.
وكان الأمين العام المساعد لمجلس التعاون للشؤون الاقتصادية محمد عبيد المرزوقي قد أبلغ وكالة الأنباء الكويتيّة إنه يتوقع انطلاق القطار الخليجي الذي يفترض أن يمتد مساره مسافة ألفي كيلومتر في عام 2017 إذا اكتملت الدراسات والتنفيذ في ذلك الموعد. ويتخوّف الناشطون الداعمون للقضيّة الفلسطينيّة من حصول شركة ألستوم على هذه العقود. لذلك، وُجِّهت العديد من الرسائل إلى الملك السعودي لدعوته إلى وقف التعاون مع هذه الشركة.
وسيعقد اليوم ناشطون من الحملة الأوروبيّة لمقاطعة «ألستوم» وشركاء تهويد القدس مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة عند الساعة الحادية عشرة والنصف لدعوة السعوديّة ودول الخليج إلى وقف التعامل مع هذه الشركة.



السعوديّة تتحفّظ

تميّز المؤتمر الخامس والثمانون لضباط اتصال المكاتب الإقليميّة لمقاطعة إسرائيل، بتحفّظات المملكة العربيّة العربيّة السعوديّة على أغلب البنود التي تدعو إلى مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل والمتعاملة.
فقد وافقت السعوديّة على التوصيات الأربع الأُوَل التي تنصّ على رفع الحظر على عدد من الشركات. وعندما وصل الأمر بالشركة إلى التوصية الرابعة، وهي حظر التعامل مع الشركة اللوكسومبورغيّة Paradigm Geophysical Luxembourg وشركاتها الشقيقة وهي ثلاث وعشرون شركة من جنسيّات مختلفة، وذلك لكون الشركة الأم فرع لشركة الإسرائيليّة Paradigm Geophysical، ذُيّلت التوصية بتحفّظ وفد المملكة السعوديّة.
كذلك تحفّظت السعوديّة والكويت والإمارات على حظر التعامل مع الشركة الألمانيّة Wittur AG بسبب وجود فرع لها في إسرائيل وامتناع الشركة عن الرد على أجهزة المقاطعة. ثم تحفّظت السعوديّة والكويت على توصية مقاطعة الشركة السويسريّة Syngenta AG بسبب تملّكها للشركة الإسرائيليّة Zeraim Gedera.