صنعاء | خرج الرئيس علي عبد الله صالح من حادثة مسجد الرئاسة بكثير من الكسور والحروق الجسدية، لكنه لا يزال متمتعاً بالذهنية ذاتها القادرة على المناورة واللعب بالأوراق. هذا ما تقوله الخطوات التي قام بها منذ عودته المفاجئة من السعودية، بعد فترة ثلاثة أشهر من العلاج قضاها هناك، وهي العودة التي لا تزال تفاصيلها موضع تجاذب، بعدما أشارت صحيفة «فايننشل تايمز» إلى وجود روايتين تتداولهما الدوائر الدبلوماسية لتفاصيل عودته إلى اليمن. الأولى تفيد بأنه أبلغ السعوديين قراره الانتقال إلى إثيوبيا، والثانية أنه ذهب إلى المطار بحجة توديع مسؤولين يمنيين. إلا أن الرواية الأولى تبقى الأكثر ترجيحاً بعدما نقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، لم تكشف عن هويته، تأكيده أن صالح «فرّ من المملكة تحت ذريعة الذهاب إلى المطار لأمر آخر، ولم تكن الولايات المتحدة تدرك، وكذلك السعودية، أن رحيله خُطّط له بطريقة ذكية وماكرة، ونحن لسنا سعداء على الإطلاق بما حدث»، بعدما تمكّن صالح من العودة إلى اليمن. وهي العودة التي يصرّ على أن تترافق مع إعادة استخدام الأوراق نفسها التي استخدمها من قبل ولم تنجح في كل مرّة، بما فيها التلويح بورقة الدين. هذا ما يفعله الآن، مهدّداً الجماعات التي انشقت عنه وأعلنت تأييدها لثورة الشباب السلمية، بإعلانه اجتماعاً لما يزيد على خمسمئة عالم ورجل دين في العاصمة صنعاء من أجل الخروج برؤية سياسية والإعداد لخارطة طريق لها تُخرج اليمن من «الأزمة السياسية» التي تعيشها منذ انطلاقة ثورة الشباب. وليس هذا فقط، فالعلماء الذين جاؤوا من مختلف المحافظات اليمنية حملوا معهم أوراق عمل تتعلق بـ«الولاية وأحكامها والخروج عن طاعة وليّ الأمر»، وهنا إذاً مربط الفرس. الرئيس صالح يريد من وراء كل هذا الخروج بفتوى تفتح له أبواب الحرب، بدعامة شرعية دينية، ضد أولئك المنشقين عنه. حيلة نجحت في حرب صيف 1994، لكن لا يبدو أنها ستنجح في كل مرّة.
وبناءً عليه، يبدو من لجوء الرئيس صالح إلى ورقة الدين المجرّبة من قبل أنه بالفعل قد حسم خياراته المقبلة، ولو لم يعد بحاجة إلى غير إعلان إشارة البدء. ويأتي هذا متماشياً مع حركات التصعيد العسكري التي قام بها فور عودته من رحلته العلاجية، واستهلها بالهجوم على ساحة التغيير بصنعاء، قبل أن يهدأ الوضع في اليومين الماضيين. ولم يكسر هذا الهدوء سوى انفجار كبير لا يزال غامضاً حتى الآن، حدث مساء منتصف ليل أمس في ساحة مقرّ الأمن المركزي بصنعاء القريب من دار الرئاسة التي يسكنها الرئيس صالح، وتقع في واحد من أرقى أحياء العاصمة صنعاء ويقطنه كبار رجال الدولة والهيئات الدبلوماسية العاملة في اليمن. وهو الانفجار الذي وضع الجهات الأمنية في حالة استنفار قصوى، وأدى إلى خروج كتائب كاملة من داخل مقر المعسكر الذي يديره يحيى محمد عبد الله صالح، نجل شقيق صالح، وانتشارها في أماكن متفرقة من المنطقة، فيما لم تُعلن بعد أسباب وقوع الانفجار ولا طبيعته أو الخسائر الناجمة عنه.
أمّا على صعيد القتال الدائر بين القوات الحكومية وقبائل منطقة أرحب (شمالي صنعاء)، فأكدت مصادر مطّلعة خبر إسقاط مقاتلين قبليين لطائرة حربية كانت تقصف قرى في المنطقة. بدورها، اعترفت وزارة الدفاع اليمنية بسقوط طائرة من نوع «سوخوي 22» في أرحب، غير أنها قالت إنها كانت في «مهمة اعتيادية».
ويشير هذا الحادث إلى أن القبائل الموالية للثورة من منطقة أرحب قد حققت مكاسب كثيرة خلال شهور من القتال مع قوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس صالح، وأنها بدأت بالفعل باستخدام المعدات العسكرية الثقيلة التي حصلت عليها من المعسكرات التي تجري السيطرة عليها، وهو ما كانت الجهات الرسمية تنفيه باستمرار. وفي هذا إشارة أيضاً إلى أن استمرار القتال على هذا النحو سيمكّن القبائل من الحصول على معدّات أكثر، وهو ما سيؤدي مع الوقت إلى جعل مهمة السيطرة على العاصمة صنعاء من جهتها الشمالية أمراً في غاية السهولة في حال الإعلان رسمياً عن سقوط «جبل الصمع» الاستراتيجي المطل على صنعاء.
وفي ظل هذه الأجواء، التقى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، أمس، سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، بحضور اللجنة الأمنية العسكرية المكلفة بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار وسحب النقاط العسكرية ومظاهر التمترس العسكري والمدني داخل العاصمة صنعاء، وأخبرهم أن هناك لقاءً جمع بينه وبين عدد من قادة المعارضة، يوم الأحد الماضي، لكن إعادة الانتشار العسكري التي حدثت في العاصمة منعت هذا اللقاء من التقدم في البحث عن آليات يمكن بها الخروج بحلول مقترحة من الأزمة أو التخفيف منها.