ينتظر الكثير من الصناعيين السوريين أن تتخذ حكومتهم القرارات المناسبة لإنقاذ صناعتهم من الأزمة التي مرت بها، والتي تفاقمت بفعل الأحداث الأخيرة، بدءاً من المنافسة مع البضائع الخارجية وما ترتب عليها من آثار أدت إلى إغلاق عدد لا بأس به من المصانع وتسريح العمال، وصولاً إلى عقد اتفاقيات تجارية مع دول مجاورة كانت في مجملها على حساب الصناعة السورية، ولا سيما اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، رغم أن الميزان التجاري رابح لمصلحة تركيا بثلاثة أضعاف، وهو ما اعترف به وزير الاقتصاد والتجارة محمد نضال الشعار لتبرير قرار حكومته بإعادة النظر في «كل اتفاقية لا تحقق العدالة الاقتصادية والتجارية لسوريا». قرار آخر أعلنه الشعار، ولا تزال مفاعيله قائمة، هو تعليق الاستيراد «مؤقتاً» لمواد يزيد رسمها الجمركي على 5 في المئة، تشمل الكماليات والسيارات السياحية، سعياً إلى الحفاظ على ما تمتلكه سوريا من عملة أجنبية. ومنذ التصريح عن هذا القرار حتى اليوم، وتجار سوريا وصناعيوها يُسمعون أصواتهم للحكومة بين مؤيد ومعارض لقراراتها. ولا يمكن إنكار حجم الاستحقاقات التي تواجهها الصناعة السورية حالياً، وربما لهذا السبب صدر مرسوم رئاسي أخيراً يقضي بجدولة القروض والتسهيلات المستحقة وغير المسددة الممنوحة للصناعيين. وبصدور مثل هذا المرسوم، ستُعطي فرصة للصناعيين حتى يتمكنوا من إعادة إحياء أعمالهم وفتح مصانعهم. وعن هذا الموضوع، يقول المدير العام للمصرف الصناعي، أنيس معراوي، إن المرسوم سيعود بالفائدة على ما يقارب 5000 صناعي لمدة خمس سنوات تسدَّد خلالها ذمم الصناعيين بشكل أقساط نصف سنوية، على أن يستوفى من المدين «دفعة حسن نية» بنسبة 15 في المئة من الالتزامات المستحقة وغير المسددة بتاريخ الجدولة. وبموجب هذا المرسوم، تُعفى القروض والتسهيلات المستحقة وغير المسددة الممنوحة للصناعيين المتأخرين عن سداد التزاماتهم تجاه المصارف العامة، من كامل الفوائد والغرامات «شرط التأكد من توافر الضمانات العينية وقدرة المدينين على السداد من خلال بياناتهم المالية وعلى مسؤولية إدارة المصرف المعني». وبذلك، من المفترض أن يعود أصحاب المشاريع إلى وضعهم الطبيعي، بما أنّ ربط هذا المرسوم مع قرار تعليق الاستيراد سيعوض النقص الحاصل في السلع. كذلك، يؤمل من هذا الربط أن يوقف الإجراءات القانونية تجاه الممتنعين عن السداد، إضافة إلى الاستفادة المادية من خلال الإعفاءات التي قدمها المرسوم من كافة الفوائد العقدية التأخيرية المستحقة وغير المسددة. ونص المرسوم كذلك على توقيف إجراءات الملاحقة القضائية وتنفيذ الأحكام القضائية المبرمة بحق المدينين والكفلاء اعتباراً من تاريخ حصول المدين أو المتدخل على قرار بتسوية وضعه. ويشدد معراوي على أنّ مصرفه سيقوم خلال الأشهر المقبلة بعمل مكثف، ويتوقع أن يعود للمصرف ما يقارب 14 مليار ليرة سورية نتيجة لتسديد الصناعيين لمستحقاتهم، مشيراً إلى أن هذا المرسوم سيمثّل فرصة جديدة لكل صناعي استفاد من مراسيم سابقة، «لكن الظروف الصعبة جعلته يتعثر من جديد؛ فهناك شح في تسديد الأقساط وعدم انتظام، مقارنة مع فترات سابقة. لذلك، قرر مجلس إدارة المصرف مراعاة ظروف الصناعيين والتساهل في طلبات تأجيل دفع الأقساط؛ لأن الصناعة تمر بظروف صعبة» على حد تعبيره. ولأنّ تقدير جدوى أي قرار يعود أولاً إلى الصناعيين أنفسهم، ستعرض غرفة صناعة دمشق ما لديها من ملاحظات على قرار منع الاستيراد. وفي السياق، يرى عضو الغرفة باسل الحموي أنّ إيقاف الاستيراد «سيؤدي إلى خسائر أكبر أو اللجوء لتوفيرها بطرق غير نظامية كالتهريب»، كاشفاً أنّ الصناعيين سيطلبون استثناء السيارات الشاحنة من لائحة منع الاستيراد وعدم اعتبارها ترفيهية. من جهة أخرى، يلفت الحموي إلى أن الإعفاءات المصرفية التي حصل عليها الصناعيون ستمكنهم من تسديد قروضهم المتعثرة لأسباب خاصة، منها عدم القدرة على تحقيق التنافسية؛ لأن «الغرامات المتأخرة هي مشكلة كبيرة للصناعيين، ما اضطر البعض منهم إلى بيع مصانعهم بالمزاد العلني وتسريح العمال».
ولأن الصناعي والمستهلك متلازمان؛ إذ لا يمكن الحديث عن الأول من دون التطرق إلى الثاني، لا يكاد يمر شهر من دون أن يعرف فيه المستهلكون السوريون ارتفاعاً في الأسعار، وتبايناً في حركة العرض والطلب لبعض المواد الاستهلاكية، حتى قبل صدور قرار منع استيراد السلع والبضائع كإجراء لاحتواء بعض أضرار العقوبات الدولية المفروضة على سوريا؛ فبعد ارتفاع سعر السكر في فترة سابقة، جاءت حركة الأسعار تصاعدية لمادة البيض خلال اليومين الماضيين نتيجة أسباب عدة لها علاقة بتوقف بعض أصحاب المداجن عن الإنتاج من جهة، والتصدير لمادة البيض من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى عمليات التهريب إلى الدول المجاورة؛ لكون أسعار البيض في سوريا تبقى أرخص مما هي الحال في دول أخرى، حتى في ظل ارتفاع أسعاره حالياً.
وقد بلغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك بحسب المكتب المركزي للإحصاء لشهر تموز 2011، 145.49 في المئة، محققاً بذلك تضخماً سنوياً مقارنة مع شهر تموز 2010 بمعدل 5.47 في المئة، ومع شهر حزيران 2011 بمعدل 1.05 في المئة. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع سعر اللحوم بمعدل 23.20 في المئة، ومجموعة السكر والحلويات بمعدل 21.20 في المئة. وتأثرت مجموعة المطاعم والفنادق بهذا الارتفاع الذي طاول الألبان والأجبان بـ 9.75 في المئة عن شهر حزيران 2011، رغم انخفاض أسعار مجموعة الفواكه بـ18.90 في المئة والخضار بـ13.02 في المئة عن الشهر السابق.
وبالعودة إلى ارتفاع أسعار البيض، حتى تراوح سعره بين 160 و180 ليرة سورية، بعدما كان بحدود 130 ليرة، يوضح مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة السورية عادل سلمو أن سبب ذلك يعود «إلى الخلل بين حركتي العرض والطلب، إضافة إلى الخلل بين الاستيراد والتصدير، وهنا يؤدي المنتجون دورهم أيضاً، إضافة إلى عوامل التهريب والاستغلال اللاأخلاقي لتحقيق نسب أرباح غير منطقية». ويُضاف إلى أسباب الارتفاع خروج المداجن الصغيرة من عملية التربية بسبب الخسائر التي تعرّض لها المربون منذ فترة، الأمر الذي أدى إلى قلة الإنتاج، وبالتالي قلة العرض، أضف ارتفاع أسعار الأعلاف عالمياً وانتشار بعض الأمراض مثل «نيوكاسل» (الطاعون) الذي أصاب بعض أفواج الدجاج.
كذلك، ثمة عامل آخر يتدخل لرفع أسعار البيض، هو عادة تخزين المادة بكميات كبيرة تزيد على الحاجة عند الشعور بأزمة ما، فيزداد الطلب على المادة. وعند حصول أي زيادة غير طبيعية في الأسعار، يكون لوزارة الاقتصاد دورها في ضبط حركة السوق وإعادة التوازن إليه بإجراءات محدّدة، وفق سلمو الذي يطمئن إلى أن الوزارة تدخلت بالفعل في أزمة الأسعار الأخيرة، وطرحت البيض والفروج بأسعار مخفوضة عن أسعار السوق وبسعر التكلفة أحياناً.