حسن عبد العظيم. ظن كثيرون أن ورود اسمه بين قادة التظاهرات، ولا سيما في ريف دمشق وتحديداً في دوما، هو مجرد مزحة. لا بدّ أن يكون التعب واليأس قد فعلا أفعالهما بابن الثمانين عاماً هذا. لا، لم يتعب. صورة جمال عبد الناصر لا تزال في مكتبه. سأله عنها السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد أمس. ولولا الصخب لكان أجلسه عشرات الساعات يخبره عن سوريا عبد الناصر ومصر عبد الناصر ولبنان عبد الناصر وفلسطين عبد الناصر، ولأقنعه بأن نصر العرب آتٍ، «دون شك آتٍ». لم يتعب، عاتب «الأخبار» حين وصفته بالعجوز. أعادت الانتفاضة الشعبية الشباب إلى صديق جوزف سماحة ونجاح واكيم وسليم الحص. وحده تمكن من توحيد الجزء الأكبر من المعارضة السورية داخل البلاد تحت راية «هيئة التنسيق الوطنية في سوريا» التي انتخبته منسّقاً عاماً لها. في اجتماعات الهيئة نجح عبد العظيم في تحديد ما يسمّيها «اللاءات الأربع» أساساً لوحدة المعارضة: لا للاستبداد الداخلي، لا للتدخل الخارجي، لا لمواجهة العنف بالعنف ولا لإثارة النعرات المذهبية.
أول من أمس، هاتف السفير الإسباني في دمشق عبد العظيم ليدعوه إلى فنجان قهوة في السفارة، فعكس عبد العظيم الدعوة وحدّد موعداً للسفير الإسباني في مكتبه يوم الخميس الساعة الرابعة عصراً. لاحقاً، في اليوم نفسه، زار موظف سوري في السفارة الأميركية عبد العظيم في منزله ليبلغه رغبة السفير الأميركي في الاجتماع به، فأبلغه عبد العظيم أن هيئة التنسيق لا تزور السفارات الأجنبية، وبإمكان السفير أن «يزورني في مكتبي». وهكذا اتفق على أن يزور فورد عبد العظيم يوم الخميس.
في اليوم التالي، ارتدى عبد العظيم بذلته الرسمية «ما غيرها»، التي لازمته عشرة أيام في السجن عند بداية الأحداث قبل ستة أشهر، وتوجه إلى مكتبه حيث كان في انتظاره المعارضان عبد العزيز الخير (شيوعي سابق) وصالح مسلم محمد (الحركة الكردية المعارضة). لاحقاً، وصل السفير وبعده التظاهرة إلى المكتب في الطابق الأرضي. حاول المتظاهرون تكسير الباب بعد كسر القفل، فاحتمى الموجودون في الداخل بالطاولات والخزائن التي كدّسوها خلف الباب.
استمر الاحتجاج على اجتماعات السفير الأميركي مع المعارضين السوريين نحو ثلاث ساعات، تخللها اعتذار من السفير، بحسب رواية عبد العظيم، عن الحرج الذي سبّبه، فبادله الحاضرون الاعتذار عن «سوء الضيافة عند العرب». ووفقاً لعبد العظيم، فقد أبلغت هيئة التنسيق السفير «رفض قوى التغيير الديموقراطي لأي تدخل خارجي أو إقليمي، ولمحاولات تمويل الانتفاضة وتسليحها، ما يوصل في النهاية إلى حرب أهلية، وتتأكد أقاويل السلطة عن وجود عصابات مسلحة». بدوره، قال السفير لمستقبليه إنه «ليس لدى الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي أي نية للتدخل العسكري في سوريا. والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي يبحثان عن مخرج لوجودهما في العراق». وأسهب السفير، وفقاً لعبد العظيم، في الكلام عن سلبيات التجربة الأميركية في العراق. وأعلم هيئة التنسيق بتقدير إدارته لمواقفها وتأييدها الشديد لسعي الهيئة إلى البحث عن حلول سلمية للأزمة السورية دون تعريض سوريا لمخاطر التدخل الخارجي. وفهم عبد العظيم من نتيجة اللقاء أن الإدارة الأميركية تفضّل الحلول السياسية التي تبدأ بالحوار.
حسن عبد العظيم سُجّلت أمس محاولة جدية لربطه بالتدخلات الخارجية في الأزمة السورية؛ ربط يفترض أن يحول دونه أو يفشله تاريخ عبد العظيم ومواقفه اليومية الرافضة للتدخل الدولي في الشؤون السورية.