■ ما هو شعورك كونك تمارس نشاطك السياسي من بيروت القريبة من دمشق والتي تحتضن تيارات مؤيدة بشراسة ومعارضة كذلك للنظام؟ وكيف تحافظ على سلامة حياتك في ظل هذه الأجواء؟
- هي حالة من التناقض في شعور تجاه المكان الذي أمارس به الآن دوري. بيروت بالنسبة إلي كانت دائماً متنفساً للحرية كما كنا نحلم جميعاً. هنا اشعر كأنني لم أغادر سوريا أبداً. بيروت التي لطالما كانت ملجأً آمناً لكل المعارضين، اليوم هي مثار خوف وقلق لي ولعدد من الناشطين السوريين المعارضين. أشعر بالكثير من القلق على حياتي في بيروت. هناك مخاطر جدية وتهديدات وصلت.

■ وهل تتخذون اجراءات امنية؟

- هي اجراءات أمنية بسيطة قائمة على عدم التقاء الغرباء، وعدم الخروج من المكان الذي أنا فيه. وإذا اضطررت إلى الخروج فبرفقة أصدقاء يمكن أن نكون معاً مجموعة حماية لنا. هي اجراءات بسيطة في الحقيقة، ولسنا تحت غطاء جهاز أمني أو مالي أو سياسي يحمينا، وهذه المسألة في غاية الاهمية. وهذه الرسالة يجب أن يسمعها الجميع. ونحن حريصون على عدم التورط على الاطلاق في أي شأن داخلي لبناني يمكن أن يحسب على مستقبل سوريا الدولي.

■ إحدى أهم الحجج التي يسوقها النظام ومؤيدوه لضرورة بقائه هي دوره في ما يسمى الممانعة والصراع مع إسرائيل. كيف ستؤثر الانتفاضة في حال نجاحها على الدور السوري؟ تحديدا الدعم اللوجستي والعسكري والسياسي لقوى المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين؟

- أعتقد أن الشعب السوري عبر التاريخ هو شعب يرفض الاحتلالات، يقاوم اي احتلال يدخل الى اراضيه أو يحاول السيطرة على موارده. الشعب السوري لطالما وقف مع الشعوب المظلومة، ولا سيما مع حركات المقاومة والتحرر العربية وحتى العالمية. هو شعب ينتمي الى محيطه القومي بنحو وثيق جداً وينخرط جدياً في النضال مع هذه الشعوب لتحقيق أهدافها الوطنية. أما كيف يمكن أن يكون شكل هذا التعاون في ما بعد؟ فهذا أمر يتعلق من حيث المبدأ برأي الشعب السوري الذي سيختار حكوماته وسيختار برلمانه في ما بعد.
الشعب السوري هو الذي قدم التضحيات من أجل المقاومات العربية وليس من أجل النظام. من قال إن النظام هو ضامن هذا التعاون الوثيق مع المقاومة؟ من قال ذلك؟ هذا النظام لطالما تاجر بالمقاومة ووضعها في رأس الحربة ليجني هو نتائج سياسية أو ليجني هو ثمار مقاومتها العادلة في تحسين ظروفه للبقاء على رأس السلطة. الشعب السوري هو المقاوم. الشعب السوري هو الذي يضمن لكل هذه الاطراف استمرار هذه العلاقات الجيدة معها، وليس النظام.

■ لا تزال التساؤلات حول بنية التنسيقيات وعضويتها ودورها قائمة في أذهان الكثيرين، هل يمكن أن توضح لنا هذه الأمور؟

- بداية يجب أن نعرف أن القوى الثورية الآن نشأت مع انطلاق الثورة. القوى الثورية الآن في سوريا تتوزع على عدة تشكيلات: لجان التنسيق المحلية، اتحاد تنسيقيات الثورة السوررية، الهيئة العامة للثورة السورية، ومجلس قيادة الثورة.
هذه القوى الثورية هي التي تقود هذا الحراك على الارض. هذه التشكيلات نشأت مع انطلاق الثورة. أول هذه التشكيلات كانت لجان التنسيق المحلية، بدأت تتبلور كلجان لها هيكلية تنظيمية مع الشهر الاول من الانتفاضة. في ما بعد تشكل ما يسمى اتحاد التنسيقيات. بقيت خارج هذا الاطار بعض التنسيقيات التي لم تنضم للجهتين. تشكلت في ما بعد الهيئة العامة لقيادة الثورة من انضمام اتحاد تنسيقيات الثورة، وبعض هذه التنسيقيات بقيت مجموعة مستقلة بنفسها. ايضاً في ما بعد تشكلت مجالس من كل المحافظات تجمّعت وألّفت مجلس قيادة الثورة.
لجان التنسيق المحلية بدأت من مجموعة ناشطين وصحافيين وحقوقيين وسياسيين. هم اصلاً كانوا ناشطين في مجال حقوق الانسان في بعض احزاب المعارضة، وتركوا احزابهم بسبب وضعها البائس. هذه المجموعة الصغيرة، كونت بداية ما يسمى المركز الاعلامي. كانت مهمتنا فقط نقل الخبر. كنا نتبادل الاخبار على صفحاتنا الشخصية على الفايسبوك. نشأت هذه الفكرة من أن نجمع هذه المعلومات كلنا معاً وننجز خبراً واحداً مشتركاً يوزعه الجميع. اذاً، بداية هذه الفكرة كانت أن نوصل صوتنا للخارج. بعد فترة وجيزة ازداد عددنا، أصبحنا بالعشرات وتوزعنا على كل المناطق السورية، فقررنا أن ننشئ تنسيقيات في كل منطقة. من مجموعة هذه التنسيقيات شكلنا لجان التنسيق المحلية، وهي كانت أول تشكيل ثوري له بنية وهيكلية واضحة وعمل منظم وعمل ميداني ايضاً، بمعنى أننا كنا نمارس عملاً ميدانياً من خلال تنظيم التظاهرات وتنظيم ما يتطلبه عمل التظاهرات، سواء كان تقنياً أو حتى على صعيد اللافتات والشعارات، بالإضافة الى عملنا
الاعلامي.
طبعاً بدأ العمل يتوسع بنحو كبير. وأخذت أعداد الناشطين المنتسبين للجان التنسيق المحلية والتنسيقيات تتسع. قرررنا في ما بعد إعادة هيكلة اللجان بحيث نؤسس لها بنية تنظيمية قادرة فعلاً على ضم عدد أكبر من التنسيقيات، وايجاد بنية تنظيمية سياسية قادرة على التعبير عن آراء الجميع داخل هذه اللجان، بالاضافة الى قدرة عالية على ضبط الحراك بشكل لا مركزي. تأخرنا قليلاً الى أن دخلنا العمل السياسي. لم نكن نرغب جدياً أن ندخل في العمل السياسي، لكن مع مرور شهرين من عمر الانتفاضة كان واضحاً أن المعارضة السورية عاجزة فعلاً عن انجاز رؤية تتحدث عن مستقبل سوريا، ما اضطرنا فعلاً إلى التصدي للعمل السياسي في لجان التنسيق المحلية، وقدمنا رؤيتنا السياسية لحل الأزمة ولمستقبل سوريا في 10|6|2011.
وزعنا بياناً على كل وسائل الاعلام والفايسبوك وموقعنا على الانترنت والتويتر. الآن كل المؤتمرات والمجالس التي تتأسس تستقي أفكارها من الرؤية التي وضعناها، فهي كانت مثل ورقة أساس لحل الازمة السورية. وعدنا للانسحاب من دورنا السياسي بعدما قدمنا هذه الرؤية لتكون هناك مادة بين يدي المعارضة في سوريا لتعمل عليها. وعدنا فعلاً إلى العمل في الهم الميداني، وتركنا للمعارضة فرصة أن تنجز تحالفاتها وتوافقاتها لتشكيل مجلس أو هيئة سياسية تمثل الثورة، لكن عادت للتعثر مجدداً ولفترة طويلة، ما اضطرنا مرة أخرى إلى التصدي للعمل السياسي جدياً وفعلياً، ودعونا في بيان واضح أطراف المعارضة الى السرعة في تشكيل مجلس وطني، وانضممنا الى المجلس الوطني السوري الذي أعلن في اسطنبول لنؤكد أننا ماضون جدياً في الانخراط في العمل السياسي لتحقيق أهداف الثورة السورية.

■ ماذا عن عضوية اللجان؟ هناك مكتب عضوية، أليس كذلك؟

- نعم، مكتب العضوية مهمته التأكد من معلومات في غاية الأهمية تتعلق بأمان الشخص والتنسيقية التي ستنضم وأنها غير مخترقة من الأمن. أيضاً التأكد من ايمان هذا الشخص وهذه المجموعة بسلمية الثورة وعدم اللجوء الى العنف ورفضها التدخل الأجنبي العسكري. هذه المسائل نحن كنا في غاية الدقة في التعامل معها. هذه المبادئ لا يمكن طبعاً التهاون بها. سلمية الثورة خط أحمر. لا يمكن التنازل عنه. رفض التدخل العسكري ايضاً أمر لا يمكن التهاون فيه. ايضاً رفض الطائفية والانجرار الى حرب أهلية.
■ العديد من الوسائل الإعلامية تتحدث عن زيادة احتمال تسليح الثورة، وتشير الى حالات انشقاق متزايدة في صفوف الجيش وازدياد تقبل فكرة السيناريو الليبي. هل ترى أن الأمور تسير في هذا الاتجاه؟

- نحن نخشى أن أسلوب النظام في استخدام الحل الامني والعسكري ربما سيكون سبباً وعاملاً اساسياً في حرف الثورة عن سلميتها في مكان ما وزمان ما. العامل الآخر هو أن سكوت المجتمع الدولي ومحيط دول الجوار والمنظومة العربية منح النظام الفرصة تلو الفرصة للإمعان في قتل الشعب السوري. ربما هذا يساهم أيضاً في حرف الثورة عن سلميتها. كل هذه العوامل قد تنمّي تيارات عنفية أؤكد أنها غير موجودة لحد الآن، وكل ادعاءات النظام باطلة لم يقدم عليها دليلاً حقيقياً واحداً.
أما تصدي الجنود المنشقين لقوات جيش وأمن تهاجمهم، فهذه لا علاقة لها على الاطلاق بمسار الثورة. الثورة سلمية ما دام هناك متظاهرون سلميون يخرجون رافعين أيديهم الى السماء يصفقون وهم عزّل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهذه الثورة سلمية. أن يكون هناك حالات انشقاق من الجيش تتصدى لهجوم من الجيش النظامي فهذا يعد من قبيل الدفاع المشروع عن النفس.

■ كرر الرئيس السوري بشار الأسد هذا الأسبوع الكلام عن أن الانتفاضة على وشك الانتهاء، ما هو ردكم؟

- في الحقيقة شيء مؤسف أن يرى رأس دولة الامور بعين التقارير الأمنية. انا أدعوه إلى الخروج في جولة ليرى بأم عينه كل زاوية وكل شارع في سوريا. المحاصر هو النظام بدباباته وجنوده وأمنه وشبيحته ايضاً.
هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، وسبق أن قال الكثير من انصار النظام هذا الكلام، أذكر جمعة «خلصت». في منتصف الشهر الرابع (نيسان) أطلق النظام شعاراً على احدى الجمع، وفي اليوم التالي مباشرة قتل 137 مدنياً على يد قوات الأمن. هي لم تنته ولن تنتهي الا باسقاط النظام.

■ الى أي مدى تلعب الطائفية دوراً في الحراك السوري؟

- أؤكد أن الأقليات شكلت أكثر من 50% من الذين نزلوا الى الشارع. في سوريا هناك طوائف، وهذا شيء مؤكد. لكن لا يوجد طائفية اصلاً. الشعب السوري لا يفكر بالطريقة التي يفكر بها بعض الاشقاء في دول الجوار. النموذج السوري مختلف من حيث ثقافته بالتعامل مع مكوناته الطائفية عن ثقافة دول الجوار في لبنان والعراق. لذلك نحن لا نخشى على سوريا من حرب طائفية. أعتقد أن النظام حاول ما في وسعه منذ اليوم الأول للثورة جر سوريا الى حرب طائفية، الجميع ترفّع عنها. الحالات الفردية لا يمكن أن تشكل تياراً عاماً. هذه الثورة وطنية جامعة للجميع.



أن ننسب هذا الحراك الى قوة اسلامية هو عين الخطأ. ببساطة، يمكن مراجعة أشرطة الفيديو لنشاهد لافتات كبيرة وكثيرة تقول لا سلفية ولا إخوان. المجتمع السوري ليس مجتمعاً متطرفاً اسلامياً. نعم هو متدين لكنه ليس متطرفاً. والقوى الاسلامية لها حضور مثلها مثل غيرها من التيارات الأخرى.