هاتاي | ينتظر السوريون المقيمون في مخيمات محافظة هاتاي التركية، الذين وُصفوا بأنهم «ضيوف تركيا» لا لاجئون فيها، زيارة مهمة ستكون أولى من نوعها لضيف استثنائي هو رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الأسبوع المقبل. مصدر الأهمية يكمن في ما كشف عنه أردوغان نفسه في طريق عودته من نيويورك إلى أنقرة قبل يومين، عندما أعلن أنّ زيارة مخيمات السوريين في هاتاي سيليها فرض عقوبات تركية جديدة مع فتح أبواب المخيمات لوسائل الإعلام الأجنبية، وهو ما لا يزال محظوراً. وفي المناسبة نفسها، قال أردوغان إنّ «زيارة هاتاي ستكون نقطة مفصليّة في سياستنا تجاه سوريا».
وتابع أن «زيارة هذه المخيمات ستكون خطوة مهمة، وإذا تمكنّا من فتح المخيمات للإعلام، فإنّ الأشخاص الذي يعيشون داخلها سيخبرون العالم الحقائق السورية. لذلك، سوريا قلقة جداً من ذلك».
وحتى اليوم، لا تزال السلطات التركية تفرض حظراً على دخول وسائل الإعلام إلى المخيمات الخمسة في هاتاي التي تستضيف أكثر من 7000 لاجئ سوري بحجج تتعلق بـ«أمن وخصوصية» اللاجئين. لكن «الأخبار» تمكنت من دخول هذه المخيمات بالفعل ورصدت بعض أجوائها. حالياً، هناك ستة مخيمات، أحدها فارغ؛ لأنه أنشئ احتياطاً لاستيعاب عدد محتم من اللاجئين السوريين الجدُد. وقد بدأ وصول اللاجئين السوريين إلى محافظة هاتاي الحدودية منذ منتصف نيسان الماضي، حتى وصل عددهم إلى ذروته مع 11739 لاجئاً، عاد نصفهم تقريباً إلى بلادهم. وبحسب اللاجئ محمد هـ. الذي تحدث لـ«الأخبار»، وهو مهندس كيميائي يبلغ من العمر 47 عاماً وينحدر من جسر الشغور، إنّ «معظم الذين عادوا من تركيا إلى قراهم وبلداتهم السورية تعرضوا للتوقيف أو اختفوا، وعدد قليل منهم فقط تمكنوا من العودة إلى المخيمات التركية».
هنا في المخيمات، تنتشر شائعات عديدة من نوع أنه «في طريق العودة من المخيمات التركية إلى البلدات السورية، يقوم قناصون باصطياد العائدين». وقد كشفت مصادر تركية رسمية أن اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم ملزمون بتوقيع ورقة تفيد بأنهم يغادرون الأراضي التركية بملء إرادتهم، على أن توضع باصات تركية تحت تصرفهم لنقلهم إلى النقاط الحدودية، حيث تصبح المسؤولية على عاتق اللاجئين.
وداخل المخيمات التركية، كل شيء مأخوذ في الاعتبار، بدءاً باحترام علاقات القربى بين اللاجئين لتقرير كيفية إسكانهم، علماً بأنّ الخيمة الواحدة يمكنها استيعاب نحو 5 أشخاص، حتى إنّ اللاجئين يتناولون 3 وجبات غذائية يومياً، وقائمة الطعام يقررها اللاجئون أنفسهم. وبالنسبة إلى احتياجاتهم من الألبسة، يوفرها الهلال الأحمر التركي. أما لوازم غسل الألبسة والكيّ فهي متوافرة من خلال المصابغ المنتشرة في المخيمات، إضافة إلى توفير اللجنة التي تدير المخيمات غرف مجهزة بأجهزة تلفزيونية للرجال والنساء، وأمكنة للصلاة، مع خطوط هاتفية مجانية تحت خدمة اللاجئين. ومن التسهيلات الموجودة في مخيمات هاتاي، عيادات طبية مجانية وأطباء وطبيبات، مع حق السوريين بتلقي الطبابة الكاملة ومجاناً في جميع مستشفيات محافظة هاتاي، إضافة إلى حضور دائم لمترجمين ومترجمات. وللأطفال السوريين في هاتاي، وُضع برنامج خاص يقوم على تنظيم دروس في الرسم والموسيقى، ودورات لغة تركية لمن يرغبون في ذلك. أما النساء، فتتلقى من ترغب منهنّ، دورات في الأعمال اليدوية. وقد استجابت إدارة المخيمات لطلب اللاجئين بتلقينهم دورة في الإسعافات الطبية الأولية. ومن الأمور اللافتة، أن وزارة التعليم التركية بدأت العمل على خطة لتوفير الحصص المدرسية للأطفال السوريين بنحو لا يفوّتون فيه عامهم الدراسي الذي بدأ بالفعل في سوريا قبل أيام.
ورغم هذه التسهيلات والتقديمات، لا يزال المقيمون السوريون في المخيمات التركية قلقين على مصيرهم، بما أنهم لا يزالون بلا صفة قانونية واضحة؛ إذ تصر الحكومة التركية على اعتبارهم «ضيوفاً» لا لاجئين. أما السبب، فيعود إلى أن تركيا وقّعت في عام 1951 اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، التي بموجبها يُمنع عليها إعطاء صفة لاجئ سياسي لأي شخص غير منحدر من إحدى الدول الغربية.
في البداية، كان ممنوعاً على لاجئي هاتاي التنقل خارج مخيماتهم، لكن الأمور تغيرت منذ شهرين، حيث سُمح في البداية فقط للممثلين المنتخَبين من اللاجئين بالخروج للتسوق لشراء حاجيات ضرورية لمواطنيهم. وقد وُسِّع هذا السماح تدريجاً ليشمل في ما بعد جميع اللاجئين، لكن بقيود. واليوم، مَن يرغب من اللاجئين بالخروج من المخيم يقدّم طلباً بذلك ويسمح له بموجبه بالخروج لساعتين مع عائلته. هكذا، يسمح يومياً لما بين 40 و45 شخصاً بالخروج إلى الحياة الاجتماعية في هاتاي.
لكن الحياة ليست هانئة تماماً في هاتاي، وخصوصاً بعدما نشرت المجلة الأسبوعية التركية «أيدينليك» تحقيقاً أوضحت فيه أنّ بعض النساء السوريات يعملن مومسات، وهو ما نفته السلطات التركية بالمطلق، بما أنه مجرد «دعاية سورية مغرضة» على حد تعبير أردوغان. ويبدو أنّ القصة ليست بريئة تماماً، بما أنّ عدداً من صحافيي المجلة المذكورة «أيدينليك» ومحرريها مسجونون حالياً بتهم الارتباط بعصابات «إرغينيكون» الإجرامية التي تهدف إلى القضاء على حكومة حزب «العدالة والتنمية»، علماً بأن «أيدينليك» مجلة تجاهر بأنها «أوراسية» سياسياً، أي أنها تدافع عن مغادرة تركيا حلف شمالي الأطلسي في مقابل تعزيز الروابط مع روسيا.