منذ عودته قبل أسبوع، يصرّ الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على اتّباع نهجه القديم في المماطلة والتسويف، مستعيداً بذلك مختلف أوراقه القديمة، بدءاً بورقة السلام والحوار، وهو يدرك أن ما من أحد داخل حزبه أو المعارضة أو حتى الدول التي كانت تقف خلف عودته إلى اليمن يصدق هذه المزاعم. وبالفعل كان زخم الاشتباكات المتجددة في صنعاء والمتصاعدة في تعز كفيلاً بنقض مقولة قدومه إلى اليمن حاملاً غصن الزيتون.ورقة ثانية أخرجها صالح من درجه المليء بالحيل، فلجأ إلى علماء الدين، معيداً استخدامهم لتقديم فتاوى تلائم، كما تؤكد المعارضة، «نيّته شنّ حرب أهلية»، رغم تيقّنه من أن جوقة العلماء الذين يستقوي بهم ليسوا من ذوي التأثير في الشارع اليمني، بعدما ابتعد عنه كبار العلماء. وبالفعل كان له ما اراد، فأفتى هؤلاء لصالح بحرمة الخروج على الحاكم، ليبدو الرئيس اليمني كأنه بدّل لاإرادياً مذهبه الذي يبيح الخروج على الحاكم إلى المذهب السلفي المحرّم للفكرة، مثيراً بذلك تهكّم معارضيه.
أما الورقة الثالثة القديمة التي رفعها صالح أمس فهي مطالبته باستبعاد خصومه من آل الأحمر عن السلطة، وإلّا فإن البديل سيكون رفضه التنازل عن السلطة بقوله «إن نقلنا السلطة وهم لا يزالون هناك، يعني أننا استسلمنا لانقلاب. وإن نقلنا السلطة وهم لا يزالون في مواقعهم فسيكون خطيراً جداً، وسيقود إلى حرب أهلية».
هذه المواقف باتت المعارضة، أكثر من أي وقت مضى، معتادة إياها بقدر رفضها لها. وهي تؤكد أن الرئيس اليمني، منذ إعلانه موافقته على المبادرة الخليجية والتفويض إلى نائبه عبد ربه منصور هادي التوقيع عليها لم يتقدم أي خطوة إلى الأمام، مستدلةً على ذلك بالأعذار التي حاول من خلالها تجنّب التوقيع على الاتفاقية لكسب مزيد من الوقت، وآخر هذه الأعذار اشتراطه خروج آل الأحمر من السلطة.
وترفض المعارضة اليمنية هذا الطرح، مؤكدة أنها وحدها تمتلك الحق في الجلوس في ما بينها وتحديد الأفضل لمستقبل المشاركين فيها. ويوضح القيادي في المعارضة عبد الله عوبل، في حديث مع «الأخبار»، أن «أولاد الأحمر ناصروا الثورة، ويعتقدون أنهم دفعوا ثمناً غالياً لذلك، بعدما اعتُدي على منازلهم، وهم لا يعتقدون أنهم كانوا يحتلون موقعاً رسمياً في السلطة لكي يغادروها».
ويضيف «الصراع ليس بين صالح و آل الأحمر أو اللقاء المشترك، بل هو ثورة تريد إسقاط النظام ورحيل صالح وأقاربه عن السلطة لبناء دولة عدالة ومساواة»، مشدداً على أن المعارضة لن تنجر إلى مخطط صالح «الهادف إلى تصوير الأزمة بأنها بين أشخاص، بل هي ثورة شعب» لم يعد ينفعه معها أي حوار. وفي السياق، يلفت عوبل إلى أن المعارضة اليمنية خاضت حوارات عديدة مع نائب الرئيس، وآخرها كان قبل عودة صالح بأيام، وأبدت خلالها استعدادها، بمجرد نقل الرئيس اليمني كامل سلطاته إلى نائبه، للجلوس والاتفاق على كيفية تنفيذ بقية بنود المبادرة الخليجية، وهو ما يرفضه صالح، متحدثاً تارةً عن ضرورة الاتفاق أولاً على آلية تطبيق بنود المبادرة، وتارةً أخرى على ضرورة إجراء انتخابات. وبالنسبة إلى آلية تنفيذ المبادرة، يؤكد عوبل أن آليات عديدة موجودة، وما على الرئيس إلا الاختيار منها.
أما الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في ظل وجود صالح في الحكم، فهو في نظر المعارضة من سابع المستحيلات، ليس خوفاً من النتائج، بل لتيقّن المعارضة من أن الرئيس اليمني إنما يرغب في إجراء الانتخابات في ظل وجوده في الحكم لاستخدام نفوذه للإشراف عليها وتزويرها بما يسمح له بالعودة إلى السلطة أو إيصال من يريد.