تستعد منال لإجراء عملية قيصرية لتضع مولودها الأول. تمسك بيد والدتها جيداً فهي تخشى الإبر. أجهضت منال ذات الخمسة عشر عاماً جنيناً قبل نحو عشرة أشهر، لذلك قام أهل زوجها بإدخالها مشفى كي تكون نتائج الولادة مضمونة. لا تجد والدة منال خطأ في تزويج ابنتها وهي لم تبلغ الخامسة عشرة بعد، وتقول: «قبل الأزمة لم أكن أفكر يوماً بتزويج البنات في سن مبكرة، كان حلمي أن يكملن تحصيلهن العلمي. لكن وفاة زوجي وتركي وحيدة مع أربع بنات، ولا أملك أي دخل سوى تبرعات الأهل والأصدقاء، دفعني إلى تزويجهن باكراً».
أرمل في الخامسة والعشرين

يتزوج فادي للمرة الثانية. فادي الذي أتم عامه الخامس والعشرين كان أرملاً قبل سنة عندما توفيت زوجته وهي تضع مولودهما الأول. فزوجته «لم تتحمل آلام المخاض، كما أن الداية التي كانت تساعدها على الولادة لم تتمكن من إيقاف النزف». العروس الجديدة لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها، ورغم ذلك يعتبرها فادي كبيرة في العمر بالنسبة إليه، فعمر زوجته السابقة كان أربعة عشر عاماً. تقول الدكتورة رزان لوقا، وهي طبيبة نسائية تملك عيادة في إحدى بلدات ريف دمشق وتعمل في مستشفيات دمشق: ازداد عدد الفتيات القاصرات المتزوجات اللواتي نشاهدهن في العيادات النسائية التخصصية، وخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تضاعف العدد إلى أكثر من خمس مرات عما كان عليه الوضع قبل بداية الأزمة. وتتابع: لا يمكننا إعطاء إحصائية دقيقة حول عدد الفتيات اللواتي يتزوجن وهن في سن صغيرة، وذلك نتيجة لجوء عدد كبير من العائلات إلى القابلة القانونية (الداية) اللواتي عدن بقوة، وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية لعدد كبير من العائلات، فتكاليف الولادة الطبيعية لدى القابلة القانونية تتراوح بين 4000 ليرة و5000 ليرة، فيما تصل تكاليف الولادة الطبيعية الى عشرين ألف ليرة في المشافي الخاصة، إضافة إلى تجنب سماع نصائح الأطباء بأن الوقت لا يزال مبكراً جداً كي تحمل الفتيات، وخاصة أننا نشاهد فتيات في عمر الثانية عشرة والثالثة عشرة متزوجات، ويجلبهن أهل الزوج كي يتأكدوا من قدرة الفتيات على الحمل، بغض النظر عن المخاطر الصحية على حياة الأم والجنين.

أشياء كثيرة
وعدت بها لتوافق على الزواج برجل تجاوز عقده الخامس



أبو عبدو يريدك

فستان أبيض وسيارات مزينة وثياب وغرفة خاصة وأشياء كثيرة وعدت بها سلام إذا وافقت على الزواج بأبو عبدو، الرجل الذي تجاوز عقده الخامس. سلام ستوافق فهي تريد أن تعيش في منزل حقيقي، حيث تقيم منذ أربع سنوات في منزل مشترك مع ثلاث عائلات، إذ تركت الدراسة منذ أن كانت في الصف الخامس الابتدائي.
والد سلام يرى أن نهاية الفتاة هو منزل زوجها، «مهما تعلمت أو كبرت، وعمر الخامسة عشرة هو سن مناسب للزواج. فالفتاة بالغة وتعرف أن تطبخ وتقوم بالأعمال المنزلية كافة، ثم بماذا ستفيدها المدارس. نحن نزحنا وتركنا خلفنا كل شي، أحمد الله بأن تقدم لخطبتها رجل مقتدر كي يعوضها عن الحياة الصعبة التي نعيشها اليوم».
يعطي القضاء السوري سلطة كبيرة للقاضي الذي يعقد قران أي زوجين من حيث الموافقة على عقد القران أو الرفض في حال وجد القاضي أن الفتاة غير مؤهلة للزواج. ويقول المحامي علي غانم لـ«الأخبار»: «لا يوجد في القانون السوري سن محددة لتكون الفتاة محل زواج وهناك ثلاثة شروط يعتمد عليها سن الزواج وهو سن البلوغ عند الفتاة وهذا يعود تقديره للقاضي والبنية الجسدية وموافقة الولي، نحن نتكلم عمن هن دون سنة الثامنة عشرة وهو سن الأهلية في سوريا». ويتابع غانم: «إذا كانت الفتاة دون سن الرشد وفي سن البلوغ وجسدياً وظاهرياً تلائم الزواج فلا مانع من العقد، أما إذا كانت الفتاة في سن البلوغ وجسدياً وظاهرياً لا تصلح لأن تكون زوجة، فمن حق القاضي ألا يعقد القران ويمنع هذا الزواج حتى ولو وافق الولي، فالقاضي هنا يكون بمنزلة الولي بالقانون للفتاة». ويشير إلى أن «تزويج الفتيات القاصرات موجود في سوريا قبل الأزمة، وخاصة في مناطق الأرياف، لكن هذه الظاهرة ازدادت بعد الأزمة ولا سيما في صفوف الفتيات اللواتي نزحت عائلتهن إلى خارج البلاد».
«الحرب الدائرة هي السبب الرئيسي في عودة ظاهرة زواج القاصرات»، تقول الاختصاصية النفسية رشا طيري من جمعية راهبات الراعي الصالح. وتضيف في حديثها إلى «الأخبار»: بتنا نشهد عودة قوية لهذه الظاهرة في المناطق التي شهدت حركات نزوح من باقي المحافظات ومراكز الإيواء التي ضمت خليطاً واسعاً. نحن كاختصاصيين نفسيين عملنا ضمن مجموعات مع اليافعات والنساء الأكبر سناً من أجل تقديم توعية حول حقوقهن كنساء في التعليم ومناهضة العنف الجسدي واللفظي تجاه النساء، إلى جانب التوعية من خطورة الزواج المبكر على الفتاة والأسرة والمجتمع، لكننا وجدنا أن النساء الأكبر سناً كنا يشجعن على الزواج المبكر بحجة أن الأهل متعبون مادياً وغير قادرين على تحمل عبء فرد من أفراد الأسرة أو أن الزواج سيكون سترة للفتاة بحيث لا تتعرض للتحرش أو لا تخوض تجربة قد تكون فاشلة مع شاب، أما الفتيات الأصغر سناً، أي ما بين الفئة العمرية 11 إلى 13 سنة، فكن فتيات غير ناضجات وغير مدركات لما يجري من حولهن. لذلك لم يكن بمقدورهن قول لا في وجه الأهل وهن محكومات بإرادتهم. أما الفتيات من الفئة العمرية بين 14 إلى 17 سنة فهن كنا قادرات على قول كلمة لا للزواج المكبر، لكنهن كنّ أيضاً في نهاية الأمر محكومات بإرادة الأهل.