لا أدري أيّ كتاب في التاريخ يقرأ هؤلاء الذين يتهمون الفلسطينيين بارتكاب مجازر في لبنان. ففي علمي، لدينا كتاب التاريخ نفسه المقرر في المنهج الدراسي، والذي يكتفي بسرد تاريخ ما للبلاد حتى إعلان سايكس بيكو. أما الباقي فمحذوف من الكتاب ومن الذاكرة! كلما عادت ذكرى صبرا وشاتيلا، ايقظت في العقول روايات العقل المذنب. احتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيل لا يعنيان لهؤلاء شيئاً، فهُم يظنّون أن الفلسطينيين أتوا إلى لبنان لإحتلاله، ولإعلان دولة لهم على أراضيه. «بوسطة عين الرمّانة» أيضاً لا تعني لهم شيئاً، فقط يذكرون مجزرة الدامور التي هي أساساً، باعتراف جميع الفلسطينيين، غلطة تاريخية لهم في لبنان، وقد أتت بالضرورة رداً على المجازر التي حصلت بحقهم، ولو ان لا شيء يبرر القتل! لا أذكر أبداً أن الفلسطينيين ارتكبوا مجازر في طرابلس، كما يؤكد أحمد، ولا مجازر ارتكبوها في الأشرفية كما يؤكد بيَير، وإن كان هذا صحيحاً فيا ليت بيَير وأحمد «إنو يعيروني كتاب التاريخ تبعهم لحتى إتثقّف شوي!».لا تُخفي جارتنا ابنة الجنوب أن معظم من تعرفهم من اللبنانيين المصنفين «شهداء حرب المخيمات»، قضوا بالحقيقة في حوادث سير أو إشكالات فردية أو عائلية، تماماً كذلك «الشهيد المعروف» في البلدات الجنوبية، الذي كان وأخاه يستوليان على أراضي «المشاع»، فاختلف الاثنان على أرضٍ ذات موقع استراتيجي، وتحوّل الإشكال إلى مجزرة عائلية قضى فيها الشهيد الافتراضي. وعبر السنين، انتشرت صوره في كل ضيعة جنوبية تحت عنوان «الشهيد البطل»، واختلفت القصة بطبيعة الحال وأصبحت رواية بطولية تسرد كيف قاوم هذا الشهيد الاحتلال الفلسطيني في مخيمات الجنوب ومات شهيداً برصاصة فلسطينية! لا يمكن أن تجادل كل من يروي تلك القصص، وخصوصاً إن كان هو يصدقها بالفعل، حتى لو حاولت أن تذكره بالوقائع. فتاريخه محدود، وروايته عبارة عن اسطوانة تعيد نفسها عند سرد كل حادثة أو استرجاع تاريخ معيّن، حتى يكاد يشكك في تاريخك، أكان أجدادك يكذبون عليك كل هذه الفترة؟ ربما، فلكلٌ منّا تاريخه الخاص.
إن الله يصنّف الشهداء، أحياءٌ عند ربّهم يرزقون، إلا في هذا البلد. فشهداؤه مصنّفون إيديولوجياً، طائفياً ومذهبياً، فمن قُتل بيدٍ مسيحية هو عند البعض شهيد، ومن قُتل بيد مسلمة هو عند البعض الآخر شهيد، من قتله اخوه هو شهيد للتستّر على الفضيحة، شهيدُ حربٍ لم يشارك بها بالأصل، والقاتل المفترض قاتل ولو لم تثبت إدانته، هو القاتل بالضرورة! المُعتدي والمُعتدى عليه شهيدان، لكن بتصنيفات مختلفة قد تكون جمعيها مُخطئة وعنصرية بالأساس، الكل يفتي بالشهادة، حتى أصبحت لا تعرف اي شهيد يعترف به رب هذا البلد!