بعيداً عن إعلان «المجلس الوطني السوري» أمس تشكيلته القيادية من إسطنبول، انقسم الحدث السوري إلى جزأين في اليومين الماضيين: الأول ميداني يُختصر بإحكام الجيش السوري سيطرته على مدينة الرستن الخارجة عن سلطة النظام منذ فترة، التي شهدت أشرس المعارك العسكرية منذ بداية الحركة الاحتجاجية السورية بين الجيش النظامي والمنشقين عنه. انتهاء معارك الرستن واكبتها أنباء لناشطين معارضين من المدينة تحدثت عن حصول مجازر فيها وتدمير كامل، قابلها الإعلام الرسمي باتهام الخارجين عن السلطة، ممن بات يرمز إليهم بـ«العصابات الإرهابية المسلحة». أما الشق الثاني، فراوح بين استعار المعركة الكلامية بين واشنطن ودمشق على خلفية أزمة السفير روبرت فورد، مروراً باستمرار سقوط ضحايا واعتقالات، وصولاً إلى ما عدا ذلك من سجالات داخلية تتعلق بقانون الأحزاب الذي سيكون إحدى مواد جلسة مجلس الشعب غداً. وقد سيطر الجيش السوري أمس على مدينة الرستن في حمص، والتي أرسل اليها يوم الجمعة 250 دبابة بعد أيام من المواجهات التي تحولت إلى حرب حقيقية بين عسكريين نظاميين ومنشقين. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «الجيش السوري سيطر بالكامل على الرستن»، موضحاً أن «خمسين دبابة غادرت المدينة الأحد». وأضاف أن «عدة منازل دمرت والوضع الإنساني سيّئ جداً، ولدينا معلومات عن عشرات المدنيين الذين قتلوا ودفنوا في حدائق المنازل خلال قصف الجيش الذي استمر أربعة أيام للمدينة». وبحسب نشطاء محليين تحدثوا لوكالة «رويترز»، انسحب أفراد «كتيبة خالد بن الوليد»، وهي الوحدة الرئيسية للمنشقين التي كانت تتحصن في الرستن، من البلدة «لتجنيبها مزيداً من القتل» حيث كانت القوات الموالية «تقتل ما بين 10 و20 مدنياً في المتوسط يومياً»، حتى بلغت حصيلة قتلى معارك الرستن «130 شخصاً على الأقل من المنشقين والمدنيين منذ يوم الثلاثاء الماضي». من جهتها، قالت وكالة الأنباء السورية «سانا» إن «الأمن والهدوء عادا إلى الرستن وبدأت المدينة باستعادة عافيتها ودورة حياتها الطبيعية بعد دخول وحدات من قوات حفظ النظام مدعومة بوحدات من الجيش إليها وتصديها للمجموعات الإرهابية المسلحة التي روّعت الأهالي واعتدت بمختلف صنوف الأسلحة على قوات حفظ النظام والجيش والمواطنين، وأقامت الحواجز في المدينة وأغلقت طرقاتها الرئيسية والفرعية وعزلتها عن محيطها». غير أنّ نشطاء سوريين أكدوا لفضائية «العربية» أن مدينة الرستن «تعرضت لمجزرة حقيقية، حيث يُطلَق الرصاص عشوائياً على بيوت المواطنين وتُنهَب محتوياتها، وتسمع أصوات بكاء الأطفال والنساء والشيوخ في كل مكان، ويوجد العديد من الشهداء والجرحى في الشوارع»، مطالبين دول العالم بإغاثة المدينة.
من ناحية أخرى، أعلنت «الهيئة العامة للثورة السورية» أول من أمس مقتل 6 أشخاص في حي القدم بدمشق وفي إدلب وحماه التي انتقلت إليها مواجهات مسلحة بين عناصر قوات الأمن وجنود منشقين. ميدانياً أيضاً، أعرب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن «قلقه العميق» على حياة الناشط الشاب أنس الشغري (23 عاماً) الذي كان محرّك تظاهرات بانياس حتى اعتقاله قبل أربعة أشهر. غير أن حصيلة ضحايا العنف اختلفت بحسب الرواية الرسمية التي تحدثت عن «استشهاد خمسة عناصر من قوات حفظ النظام وجرح 8 آخرين برصاص مجموعة إرهابية في بلدة كفرنبودة التابعة لمنطقة الغاب». وكان لافتاً ما أوردته «العربية» عن عودة ظهور المحامي العام لحماه الذي سبق أن أعلن انشقاقه عدنان البكور، في تسجيل منسوب إليه، داعياً سفارات العالم إلى «اتخاذ موقف لحماية المحتجين في سوريا ودعمهم».
هذا وأفاد «المرصد السوري» بأن دورية تابعة لفرع الاستخبارات الجوية في حمص اعتقلت المعارض منصور الأتاسي من مكتبه في حي الخالدية، وهو قيادي في «هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديموقراطي» الذي يمثل معظم أطياف معارضة الداخل. أما «سانا»، فقد نقلت بدورها عن مصدر رسمي أن «مجموعة إرهابية» استهدفت سكة قطار للشحن فى منطقة «أوبين» قرب بلدة جسر الشغور بمحافظة إدلب، حيث جنحت 3 عربات وجرح سائق القطار ومعاونه. وقد امتدت التصفيات ومحاولات الاغتيال لتطاول ابن مفتي سوريا أحمد حسون، الذي قتل في إطلاق نار في حلب.
سياسياً، استعرت المناوشات الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن التي كشفت أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان استدعى السفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى إلى مبنى وزارة الخارجية «ووجه إليه توبيخاً شديداً في ما يتعلق بالحادث» الذي تعرض خلاله السفير روبرت فورد ووفده لهجوم بالبيض والحجارة في دمشق يوم الخميس الماضي، ثم «قرأ عليه قانون الشغب في ما يتعلق بهذا الحادث»، بحسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند. وفي إشارة تحدٍّ جديدة، جزمت نولاند بأن فورد «عازم على مواصلة التواصل مع الشخصيات البارزة في الطيف السياسي كله»، علماً بأنه تعرض للهجوم أثناء دخوله مكتب المعارض البارز، المنسق العام «لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي»، حسن عبد العظيم. كلام وخطوات ردّت عليها القيادة السورية من طريق وسائل الإعلام المحسوبة على النظام؛ إذ حذّرت صحيفة «البعث» من أنّ على فورد «التوقف عن التدخل في الشؤون السورية الداخلية إن كان يرغب بتفادي المزيد من هجمات البيض الفاسد مستقبلاً». وحذرت الصحيفة السفير الأميركي من أن دعمه للمجموعات المعارضة «لن يجري تحملها»، حتى إنها جزمت بأن فورد «سيواجه تصرفات غير ودودة جديدة ما دامت بلاده تتدخل بالشؤون السورية».
على صعيد آخر، ذكرت صحيفة «إندبندانت أون صنداي» البريطانية أن الشرطة البريطانية تحقق في اتهامات تفيد بقيام موظفي السفارة السورية في لندن بمراقبة ومضايقة محتجين سوريين في بريطانيا واستهداف عائلاتهم في الوطن، فيما نفت السفارة صحة هذه «المزاعم».
وفي المواقف الدولية من الأزمة السورية، كرر الرئيس التركي عبد الله غول موقف بلاده من أن «النظام السوري لم يقرأ التطورات في المنطقة بنحو صحيح»، معرباً عن عدم ثقته بالإدارة السورية. وجدد تأكيده الوقوف إلى جانب الشعب السوري «رغم كل شيء»، وذلك في خطابه الافتتاحي لدورات البرلمان التركي أول من أمس.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)