فضيحة سياسية من العيار الثقيل كُشِفَ النقاب عنها في بغداد أخيراً: وزيران عراقيان مكلَّفان بمتابعة أزمة «ميناء مبارك الكبير» الكويتي، الذي يجري بناؤه على شفا الممر البحري الوحيد الذي يربط العراق بالعالم البحري، تسلما هدايا مالية وعينية من الطرف الكويتي. الوزيران هما وزير الخارجية هوشيار زيباري، المؤيِّد علناً لإقامة الميناء الكويتي، والمدافع عن «حق الكويت» في إنشائه، والثاني هو هادي العامري، وزير النقل المناوئ بشدة للمشروع. وفي التفاصيل، نعلم أن الهدايا لكل منهما تضمنت مبلغ 100 ألف دولار أميركي، وساعة ثمينة وبعض الكماليات الفاخرة. وقد أوضح النائب في مجلس النواب العراقي عمار الشبلي عن كتلة «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، الذي فجّر الفضيحة، أنه يمتلك وثائق رسمية تؤكد هذه المعلومة، وطمأن إلى أنه عَلِمَ من مصادره الخاصة بأنّ وزير النقل قد أعاد «الهدية الكويتية» إلى السفارة الكويتية في بغداد، بعدما اطلع على محتوياتها.
أما وزير الخارجية، «فلم يفعل الشيء نفسه». ولم يوضح النائب الشبلي متى أعاد الوزير العامري الهدايا التي تسلمها، وما إذا كان قد فعل ذلك فور تسلمه إياها أم بعد فترة من ذلك. وزير الخارجية العراقي لم يعلّق حتى اليوم على الخبر، لكن مصادر من داخل الوزارة أكدت أنه يخطط للاعتراف بتسلّمه الهدايا الكويتية، واعتبارها «شأناً شخصياً لا علاقة له بصفته الحكومية الرسمية». أما مصادر مقرَّبة من قيادة «التحالف الكردستاني»، الذي ينتمي إليه زيباري، وبخلاف التصريح العلني لأحد قياديه، محسن السعدون، الذي رأى أن اتهام الوزير بتلقي الرشوة «تشهير به وبالحكومة»، فقد سرّبت أنه قد يكون أعاد الهدايا دون أن يعلن ذلك رسمياً «مراعاةً لحساسية الموضوع»، لكنَّ مراقبين في بغداد رجّحوا أن تكون هذه التسريبات «تبريراً استباقياً للرد على القائلين بأن زيباري أعاد الهدايا بعد افتضاح أمرها». أما اعتبار تسلُّم الوزير هدايا ثمينة كهذه «شأنا شخصياً»، فهو أمر يثير السخرية والمرارة معاً على حد تعليق بعض المراقبين؛ فبحسب المعايير العالمية، تُعد مثل هذه الهدايا رشوةً صريحة، قد لا يُكتفى بإسقاط وإقالة المسؤول الذي يجرؤ على تسلمها من منصبه فقط، بل يُحال في الغالب على القضاء أيضاً.
إلى ذلك، يعتقد مراقبون ومحللون آخرون للشأن العراقي أن الوزير زيباري سينجو من هذه الفضيحة سالماً، وقد يبقى في منصبه على اعتبارات عدة منها: أولاً لأنّ البلد غارق ومنخور بشتى أصناف الفساد المالي والإداري والسياسي. ثانياً، بسبب طبيعة حكم المحاصصة الطائفية والعرقية المعقدة، واحتفاظ كل طرف طائفي بسجله الخاص من فضائح وتجاوزات يستخدمها الخصم في حال الاضطرار إلى الدفاع عن مصالحه الحزبية والطائفية، وهو ما يمنع أي محاولة لمحاسبة أو مساءلة الفاسدين والمتجاوزين. ثالثاً، أن التجربة العراقية أكدت مراراً أنّ المسؤولين الكبار الفاسدين أو المتهمين، يبقون بمنأى عن أي عقاب قانوني أو سياسي. يستدل هؤلاء المحللون على صحة رأيهم هذا بواقع أنّ عدة وزراء في هذه الحكومة أو التي سبقتها اتُّهموا بالفساد، حتى إن بعضهم أُحيلوا على القضاء، كوزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني، لكنْ جرت تبرئتهم جميعاً، ولم يسجن منهم أحد وأعيدوا إلى مناصبهم ورُقّي أحدهم، هو وزير التربية السابق خضير الخزاعي، المتهم بعدة قضايا فساد، ليصبح الرجل نائب رئيس الجمهورية.
قد يكون هذا الواقع المزري هو ما دفع أحد القراء البغداديين الظرفاء إلى التعليق على خبر الهدايا الكويتية «المسمومة» بالقول: ربما يفقد زيباري منصبه كوزير للخارجية بفعل هذه الفضيحة، لكن ليُعَوَّضُ عنه بمنصب رئيس إقليم كردستان العراق. وفي السياق، يتّهم مراقبون عراقيون الكويت بعدم الاكتفاء بتقديم الأموال الطائلة والساعات الثمينة والكماليات الفاخرة إلى الوزراء والمسؤولين المكلَّفين بإدارة ملف مشروع مينائها لقطع العراق عن الخليج العربي، لتتعدّاها إلى استعمال كواتم الصوت لاغتيال مناوئي مشروعها. في هذا الصدد، أعلنت النائبة عن كتلة «العراقية البيضاء» المنشقة عن كتلة إياد علاوي، وأشد مناوئي مشروع الميناء الكويتي، عالية نصيف، أن زوجها تعرّض لمحاولة اغتيال قبل أيام.
ولم تعلِّق الكويت على الاتهامات التي وجّهتها إليها جهات صحافية عراقية بالضلوع في محاولة الاغتيال هذه، لكنها علّقت على ما بات يعرف بـ «الهدايا المسمومة». فقد صدر بيان رسمي كويتي «يستغرب» تلك الاتهامات وينفيها، مؤكداً أن «الأشقاء في العراق، ومن خلال اللجنة الفنية التي جاءت إلى الكويت، اطلعوا على كافة الحقائق المتصلة ببناء ميناء مبارك الكبير من الجانب الكويتي بكل شفافية ووضوح».