تحوّل نشر وثيقة «استراتيجية الجيش الإسرائيلي» إلى معلم في تاريخ الأمن القومي لدولة إسرائيل، كونها المرة الأولى التي يعلن فيها الجيش عن عقيدة أمنية شاملة يحدد فيها الطريقة التي سيعمل وفقها خلال الأوقات العادية وأوقات الطوارئ والحرب.ورأى معلق موقع «يديعوت أحرونوت» للشؤون الأمنية، رون بن يشاي، أنه لم يسبق أن حصل أمر كهذا في الماضي، وأنه للمرة الأولى يقول فيها الجيش للمستوى السياسي ما هو المطلوب منه كي يستطيع أن يعمل بنجاعة. وقدّر بن يشاي، أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو وخاصة وزير الأمن، موشيه يعلون، وافقا على كل نقطة وفاصلة في الوثيقة الاستراتيجية للجيش قبل أن يتم السماح لرئاسة الأركان العامة بالإعلان عنها، كوثيقة ملزمة ونشرها كاملة أمام الجمهور.

واعتبر بن يشاي أن وثيقة الجيش هي أقرب ما تكون إلى صياغة العقيدة الأمنية والعسكرية لدولة إسرائيل، لافتاً إلى أن هذا ما حيل دونه لأسباب سياسية لسنوات كثيرة، لكن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، غادي إيزنكوت تجرأ على القيام بما لم يقم به كل من سبقه، وصاغ نظرية أمنية رسمية واستراتيجية للجيش منبثقة منها. كما توقف بن يشاي أيضاً عند مصادقة وزير الأمن موشيه يعلون، الذي وصفه بالسابقة التاريخية التي لم يقدم عليها أي وزير أمن سابق، مع أن كلاً منهم عيّن لجاناً لصياغة النظرية الأمنية لإسرائيل، ومع ذلك لم يصادقوا عليها وبالتأكيد لم يسمحوا بنشرها علناً.
وأضاف بن يشاي إن ما تضمنته الوثيقة مشابه للمبادئ التي وضعتها لجنة مريدور عام 2006، التي عيّنها في حينه وزير الأمن يتسحاق مردخاي، لكن لم يتم نشر خلاصاتها ولا حتى على أعضاء الكنيست.
أما بخصوص الأسباب التي دفعت رئيس الأركان وبدعم من وزير الأمن للمبادرة إلى هذه الخطوة التاريخية، فأكد بن يشاي أن الجواب هو حرب لبنان الثانية، وعملية «الجرف الصامد»، مشيراً إلى أن الجيش في كليهما واجه إخفاقات نابعة من عدم وضوح تحديد أهداف الحرب، وفي تحديد ما هو الحسم والنصر، وإلى ماذا يجب أن نطمح وما هو توزيع المهمات بين المستويين السياسي والعسكري.
ورأى معلق الشؤون الأمنية لموقع «يديعوت أحرونوت» أن وثيقة الجيش تقدم جواباً عن هذا كله. من جهة، تم في الوثيقة تحديد ما يستطيع أن يطلبه المستوى السياسي بشكل مفصل، وهو على نوعين: حسم عسكري كامل وواضح ضد التنظيم العسكري الذي يواجهه، أو توجيه ضربة محدودة ومعينة له.
ولفت بن يشاي إلى أنه خلال الحرب على غزة، طلب المستوى السياسي من الجيش توجيه ضربة محدودة ضد «حماس» وليس الحسم العسكري معها، مشيراً إلى أن أحد أهداف الوثيقة الاستراتيجية هو منع الانتقادات بعد أي جولة قتال مقبلة. ويوضح رئيس الأركان في هذه الوثيقة أنه سينفذ «كل ما يحدده لي المستوى السياسي»، مفصلاً بنداً بنداً ما ينبغي على المستوى السياسي القيام به، من أجل أن يحقق هو كقائد عسكري النتيجة المرجوة.

المبادئ التي حددها بن غوريون لا تزال قائمة حتى في المفهوم الأمني الجديد

والسبب الثاني لنشر «استراتيجية الجيش» بحسب بن يشاي، هو تنسيق توقعات الجمهور الإسرائيلي، انطلاقاً من أن القتال في المرحلة الحالية هو ضد أعداء غير دولتيين، وبالتالي ينبغي على الجمهور أن يفهم أنه غير قادر على فعل كل شيء، لأنه يعمل ضمن إطار قيود، من أجل الحصول على شرعية دولية، حتى لا يعامَل الجنود الإسرائيليون وقادتهم كمجرمي حرب، ومن دون أن تتوقف الحرب بسبب نقص في الموارد. وباختصار، يحدد رئيس الأركان للمرة الأولى، لنفسه ولقادة الجيش وللسياسيين ما هي قيود القوة العسكرية، وما هو من الممكن أن نقوم به. وبالتالي، فإن هذه الوثيقة موجهة أيضاً إلى أعضاء المجلس الوزاري المصغر، بدرجة لا تقل عن كونها موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي بشكل عام. وهي أيضاً موجهة إلى أعداء دولة إسرائيل على مختلف أنواعهم.
ولفت بن يشاي أيضاً إلى أن سبب هذا النشر، غير المسبوق للوثيقة، يعود إلى رغبة الجيش في أن يثبت للجمهور أن الجيش ليس أسير تصورات ومفاهيم من الماضي ولا يأخذ المليارات كي يبذرها على استعدادات لحرب قادمة. وتوقف بن يشاي أيضاً عند المبادئ العسكرية للنظرية الأمنية الإسرائيلية التي حددتها الوثيقة بـ«ردع، إنذار، دفاع وحسم»، موضحاً أن هذا الأمر ليس جديداً، وإنما الجديد هو أن رئيس الأركان حدد بأن الأمن القومي لإسرائيل يعتمد على استراتيجية دفاعية وعلى مفهوم عسكري هجومي. وبالتالي، فإن إسرائيل لن تبادر إلى حروب من أجل احتلال أو تنفيذ أهداف استراتيجية كما فعلت خلال حرب لبنان الأولى، على سبيل المثال. غير أنه في حال فُرضت عليها الحرب، فإن إسرائيل ستفضل تفعيل قوتها الهجومية على الدفاع.
وختم بن يشاي بالقول إنه في دولة سوية، كان ينبغي على المستوى السياسي أن يبادر ويملي على الجيش، ثم تبادر هيئة الأمن القومي إلى صياغته، وليس العكس. و«مع ذلك، حسناً ما قام به الجيش»، معتبراً أن رئيس الأركان ووزير الأمن قاما بما كان ينبغي القيام به قبل عشرات السنين ولم يقم به أحد. وشدد على أن المبادئ التي حددها بن غوريون لا تزال قائمة، حتى في المفهوم الأمني الجديد.