لم تجدِ جميع المحاولات الغربية في استمالة روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، فجر أمس، وللحؤول دون استخدام موسكو وبكين حق النقض في التصويت على مشروع قرار أوروبي ــ أميركي رغم أنه جاء ملطفاً للغاية و«رمزياً»، لا بل خالياً من مخالب العقوبات والتلويح بفرض عقوبات حتى.
حاول معسكر المصرّين على معاقبة سوريا فعل كل شيئ، بدءاً من تعديل نسخة مشروع القرار مراراً ما أدّى إلى تأخر جلسة التصويت أكثر من ساعة ونصف الساعة عن موعدها المحدد مسبقاً بمنتصف الليل (في توقيت بيروت). هكذا، وبعد إشاعة أجواء في نيويورك أوحت بأن موسكو ستمرر مشروع القرار نظراً إلى أن نسخته الأخيرة لبّت التحفظات الروسية والصينية من ناحية المضمون والنبرة، جاء التصويت مخالفاً للتوقعات، إذ أيدته 9 دول من أصل 15 (أميركا وفرنسا وبريطانيا والبرتغال وألمانيا والغابون ونيجيريا والبوسنة وكولومبيا)، وعارضته كل من الصين وروسيا، بينما اكتفى لبنان والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل بالامتناع عن التصويت (من نزار عبود). وقد حرصت الدول الغربية على إجراء كافة التعديلات اللازمة بما يضمن تمرير مشروع القرار من دون جدوى، وتخلّت عن فقرات مهمة تهدّد بفرض عقوبات لتستبدلها بمصطلح «إجراءات هادفة» تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وحظر توريد السلاح والتدريب، وتخفف من لهجة الانتقاد للحكومة السورية. وأكد سفراء كل من ألمانيا والبرتغال وفرنسا أن النص الجديد يراعي الجوانب التي يتحفظ عليها الأعضاء الآخرون (الصين وروسيا)، والتي بلغت حداً هددت معه روسيا بـ «إما أن يكون القرار بالإجماع أو لا يكون»، وفق نائب المندوب الروسي الدائم الكسندر بانكين.
آخر نسخة من القرار الأوروبي المعدّل الذي حصلت عليه «الأخبار» قبيل عقد الجلسة عند الواحدة والنصف فجراً، خُفِّفت لتتحدّث بدايةً عن إدانة «بشدة» لـ «الانتهاكات الجسيمة والمنظمة لحقوق الإنسان، واستخدام العنف بحق المدنيين من قبل السلطات السورية». ثم شُطبت من هذه الفقرة عبارات تصف استخدام القوة المفرطة وإعدام المتظاهرين والاعتقالات التعسفية وعمليات الخطف والتعذيب وسوء المعاملة بما في ذلك بحق الأطفال. وأعرب المجلس في النسخة الأخيرة لمشروع القرار عن «الأسف العميق لمصرع الآلاف بما في ذلك الأطفال والنساء»، وطلب بإنهاء «كافة أشكال العنف»، وحث «كافة الأطراف على نبذ العنف والتطرف»، وذكّر هذه الأطراف «المسؤولة عن العنف وانتهاك حقوق الإنسان والإساءة بحتمية المحاسبة». كما أنه طالب السلطات السورية بـ «الكف فوراً عن الانتهاكات لحقوق الإنسان والالتزام بواجباتها وفق القانون الدولي والتعاون التام مع مفوضة حقوق الإنسان». إضافة إلى ذلك، فإنّ مشروع القرار الذي لم يمرّ، طالب «بتوخي اليقظة والحذر بشأن تزويد سوريا بالسلاح والتدريب»، وأُلغيت العبارات المتعلقة بـ «حظر كافة أنواع السلاح والتمويل والمشورة وخدمات الدعم». أما الأهم، فهو أن الفقرة التي تهدد باللجوء إلى إجراءات قد تتضمن العقوبات تحت البند 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة شُطبت، لتحل محلها عبارة «النظر بخيارات من ضمنها الإجراءات الهادفة الواردة في البند 41 من ميثاق الأمم المتحدة» دون ذكر الفصل السابع.
في غضون ذلك، وجّهت تركيا رسالة تحذيرية جديدة للنظام السوري، بإعلانها إجراء تدريبات عسكرية، على مدى أسبوع، في إقليم هاتاي على مقربة من الحدود السورية، وذلك بالتزامن مع استعداد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، لزيارة مخيمات اللاجئين في المنطقة تمهيداً لإعلان عقوبات ستتخذها بلاده بحق سوريا. وأعلن الجيش التركي أنه سيجري، ابتداءً من اليوم حتى الثالث عشر من الشهر الجاري، تدريبات في محافظة هاتاي، مركز تجمع اللاجئين السوريين، فيما أكد أردوغان أن بلاده ستتخذ قريباً قراراً بفرض عقوبات على النظام السوري. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن أردوغان قوله خلال زيارة رسمية لجنوب أفريقيا «سنعلن خريطة طريقنا بعد زيارتنا (إقليم) هاتاي». وأشار إلى أن المسؤولين الأتراك سيقوّمون رزمة من العقوبات على سوريا بعد زيارته للإقليم، موضحاً أن موعد الزيارة سيكون إما في نهاية هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل». كذلك تطرق أردوغان إلى المساعي الجارية في الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين النظام السوري، مشيراً إلى أن «مثل هذا القرار سيكون بمثابة تحذير مهم لسوريا». وأضاف «آمل الخروج بقرار إيجابي، وسنتخذ كلنا معاً الخطوات اللازمة».
بدوره، رأى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، أن «أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لسوريا أمر غير مقبول»، وأضاف «إننا نرى أن الاضطرابات في هذه البلاد أثيرت من قبل الدول التي تحمي النظام الصهيوني، وإن هدف هذه الاضطرابات هو زعزعة الوضع في سوريا وإنشاء حزام أمن في محيط إسرائيل».
مع ذلك، شدد مهمانبرست، بحسب موقع «روسيا اليوم»، على أن الحوار الداخلي السوري ضروري ويجب توفير ظروف ملائمة لإجرائه، مشيراً إلى أن «جزءاً من السوريين يقدم مطالب يجب الاستماع إليها»، معرباً عن أمله بأن كل القضايا الموجودة في سوريا ستحلّ بنجاح من دون أي تدخل خارجي، على عكس الولايات المتحدة، التي أكد سفيرها في دمشق روبرت فورد، بعد تثبيته في منصبه بإجماعٍ من مجلس الشيوخ الأميركي، أن «القمع الحكومي» ضد الشعب السوري هو السبب في إثارة المزيد من العنف. وقال «الولايات المتحدة لا تطلب سوى أن تحترم الحكومة السورية حقوق الإنسان الأساسية لشعبها، وهي الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان».
ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن 11 شخصاً قتلوا في سوريا أمس، بينهم 3 جنود ومدني في اشتباكات «في مثلث كفرحايا ــ شنان ــ سرجة في جبل الزاوية بين جنود معسكر للجيش في المنطقة ومسلحين يعتقد انهم منشقون عن الجيش»، إضافة إلى مقتل ستة مدنيين بينهم أطفال قضوا اغتيالاً في محافظة حمص.
كذلك أشار «المرصد» إلى اغتيال الناشط الشيوعي مصطفى أحمد علي (52 عاماً) برصاص مجهولين في حي جب الجندلي. بدورها، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عن تشييع جثامين 9 من عناصر «الجيش والقوى الأمنية والمدنيين قضوا برصاص المجموعات الإرهابية المسلحة في حمص وحماه ودرعا وريف دمشق»، فيما نقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن رياض الأسعد، الذي يقول إنه برتبة عقيد في الجيش وانشقّ معلناً تأسيس «الجيش السوري الحر»، تأكيده أنه لجأ إلى تركيا، نافياً مزاعم بأنه اعتقل عندما سيطرت قوات سورية على الرستن. وتابع الأسعد «نعيش في مكان آمن في تركيا. أنا أشكر الحكومة التركية وشعبها شكراً جزيلاً. المسؤولون الأتراك اهتموا بأمرنا»، ودعا المعارضة إلى التوحد.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)