الثورة إذا تأسلمت ستفشل الوقت الحالي ليس لتشكيل حكومات
المجلس الوطني يديره «نادي واشنطن»

في مقابلة مع «الأخبار» يتحدث الدكتور هيثم مناع عن موقفه من المجلس الوطني الذي تشكّل في اسطنبول، وعن مبادرة موسكو التي اقترحته رئيساً لحكومة انتقالية في سوريا. كذلك يكشف عن أسباب الخلاف بينه وبين الدكتور برهان غليون

ما هي أسباب تحفظك على مؤتمر إسطنبول الأخير؟ ولماذا رفضتَ الانضمام إلى «المجلس الوطني» المنبثق عنه؟

- هذا المجلس جاء بمبادرة من مجموعة محدودة ذات هوية مرتبطة بإيديولوجية واحدة. وهي لم تكن مفوَّضة من القوى السياسية المعارضة، ولا من الحركة الشبابية في الداخل. وقد بدأت هذه المجموعة في الترويج طوال 55 يوماً لضرورة تأسيس مجلس كهذا، على أساس أنه مجلس سيُخرج شباب الثورة من الأزمة، ويحلّ كل مشاكلهم، ويمدّهم بالمساعدات المادية وبالاعتراف الدولي والحظر الجوي... الخ.

لقد عشنا، على مدى شهر ونصف الشهر، محاولات واضحة لإدخال المفردات الليبية إلى الثورة السورية. والذين قاموا بذلك هم مجموعة من المحترفين، لا ينتمون إلى قوى سياسية معروفة، وهم يسمّون أنفسهم «المستقلّين» أو «التيار الإسلامي المستقل». وهذه المجموعة سعت منذ البداية إلى فرض خريطتها على الجميع. وقد فشلت في أول محاولتين لها في إسطنبول. ثم كان هناك مسعى مشترك من القوى السياسية الكبيرة لتشكيل «ائتلاف وطني سوري» يضم القوى السياسية الفعلية. لكن تلك المجموعة عملت على إفشال هذا الائتلاف وإضعافه عبر استمالة بعض أعضائه وضمّهم إلى «المجلس الوطني»، بحجة أن الصعوبة تكمن فقط في تشكيل «المجلس الوطني»، ثم سيعترف بنا العالم كله، وسنحقّق المعجزات لاستمرار الثورة وإنجاحها وتعزيز دور الشباب فيها.
عملية بيع الوهم هذه رافقتها محاولات لفرض الوصاية على العمل الكلي التوافقي بين مختلف التيارات السياسية. وتُرجم ذلك من خلال إعطاء «المجلس الوطني» لوناً إيديولوجياً محدّداً، حيث مُنح الإسلاميون بمختلف أطيافهم حجماً كبيراً يفوق حجم تمثيلهم الطبيعي، ويصل إلى 60 بالمائة من مجموع أعضاء المجلس. كل هذه المسائل نراها ممارسات غير ديموقراطية وغير شفافة. ولا يمكن أن نعطي المثل في معركتنا من أجل التغيير الديموقراطي بمسالك مؤامراتية، غير ديموقراطية. لذا، فأنا شخصياً رفضتُ أن أشارك في النقاشات التي حدثت في إسطنبول. و«هيئة التنسيق الوطنية» التي أنتمي إليها ترى أن ما جرى لا يمكن أن يكون مثالاً لتجربة ديموقراطية تعطي صورة إيجابية للمجتمع السوري وللمجتمع الدولي.
أضف إلى ذلك أن هذا المجلس ينقصه التواضع، لأن من شكّلوه يعلنون أنهم يمثلون الغالبية والثورة والتنسيقيات، ويزعمون أنهم سينقذون الأوضاع، وسيغيِّرون مجرى التاريخ. وهذه المسألة ستنعكس عليهم حتماً سلباً عندما سيكتشف الناس حجمهم الحقيقي وسقفهم التمثيلي وإمكاناتهم المتواضعة، مع احترامي لبعض من اتبع هذا الخط.

ألا تعتقد أن إسناد رئاسة هذا المجلس إلى شخصية ذات صدقية مثل الدكتور برهان غليون يشكل ضمانة أخلاقية كفيلة بتحصين المجلس من الانسياق نحو أطروحات من قبيل العسكرة والتدخل الأجنبي؟

- لقد قلتُ مراراً، وبالأخص خلال زياراتي الأخيرة إلى تونس، بأن الثورة التونسية منحتنا ثلاثة مبادئ أساسية. الأول هو الطابع السلمي للثورة. والثاني هو غياب الصنم، فليس لدينا أصنام أو زعامات فردية، بل حلول ديموقراطية في فرق عمل تفكر بنحو جماعي وبعقل توافقي، وفق آليات تعددية وشعبية تحترم طاقات الأشخاص ولكن تحد من سلطاتهم وتراقب أداء الجميع. أما المبدأ الثالث فيتمثل في مدنية الحراك الاجتماعي. هذا الثالوث بالنسبة إلي راهن الحضور بالنسبة إلى سوريا. ونحن لا نعتقد بأن شخصاً واحداً، أيّاً كان هذا الشخص، يمكن أن يشكّل نوعاً من الدرع الواقي من الأخطاء، وخصوصاً أن مواقفه تقلبت مرات عدة في أيام. نحن نريد الخروج من الديكتاتورية الفردية للحكام العرب، ولا يُعقل أن نكرّس الديكتاتورية والفردانية في سلوكنا.

لقد جمعتك بالدكتور برهان غليون صلات وثيقة، وتوافقتما منذ بداية الحركات الاحتجاجية في سوريا على سلمية الثورة وطابعها العلماني. ما هي أسباب الخلاف الذي برز أخيراً بينكما؟

- لم يكن هناك أي خلاف إلى أن عقد اجتماع برلين الأخير. كان الدكتور برهان غليون قد وعد بحضور اجتماع «هيئة التنسيق الوطنية» في برلين، وكنا في انتظار وصوله. وإذا به يغيّر مساره باتجاه إسطنبول، من دون أي اعتذار أو تفسير أو إشعار. ومنذ ذلك اليوم، لم أتحدث معه ولم يتحدث معي. وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى شرح وتفسير من الدكتور غليون، لنفهم لماذا يجب أن نقدّم كل تلك التنازلات التي مُنحت إلى التيار الديني في إسطنبول، ونحن في دولة تضم 26 مذهباً وطائفة وقومية، أي في دولة لا يمكن تناول العلاقة بين الدين والدولة فيها بشكل سطحي وأطروحات إيديولوجية إسلامية. الثورة السورية الكبرى، سنة 1925، قامت على أساس أن «الدين لله والوطن للجميع». واليوم، في غياب دور فاعل للأقليات، نحتاج إلى خطاب مدني يعطي الثقة لتلك الأقليات. الشعب السوري شعب مؤمن، لكنه لا يريد أي لون إيديولوجي ديني يؤثر على دستوره وعلى مستقبله. كنت أتمنى ألا يسير الدكتور غليون في هذا الخط. بعد مجزرة حماه قال منظّر الإخوان المسلمين، سعيد حوا، في شرحه لأسباب فشل الطليعة المقاتلة: «الشعب السوري يحب الحرية والجمهورية والديموقراطية». نتمنى ألّا ينسى البعض هذا الدرس.

البعض يتساءل هل اعتراض الدكتور هيثم مناع هو على وجود الإخوان المسلمين في «المجلس الوطني» أم على حجم التمثيل الذي مُنح لهم؟

- من المعروف أنني كنتُ من أهم العناصر التي عملت على عودة الإخوان المسلمين إلى حظيرة العلاقات الطبيعية مع باقي الأحزاب السياسية الوطنية في سوريا. وساعدتُ على مصالحتهم مع العديد من القوى السياسية، وكنت من أهم المدافعين عن ضحاياهم في سجون الديكتاتوريات. بالتالي ليست لديَّ أي مشكلة معهم، وأرى أن التيار الإسلامي جزء من الجغرافيا السياسية في كل بلدان العالم الإسلامي وليس فقط في سوريا. لكنني أعتقد أن حجم الإخوان لا يتعدى في أحسن الأحوال 10 بالمئة من المجتمع السوري. ولا أفهم لماذا يتنطحون لنسبة أكبر من التمثيل. وكنتُ أتمنى أن يكونوا من الحكمة والعقلانية، لينتبهوا إلى أنه ليس من صالحهم ولا من صالح الثورة أن يكونوا طرفاً في فزّاعة غير واقعية تتعمد المبالغة في تضخيم دورهم في الانتفاضة السورية. فالسلطة الديكتاتورية هي التي تضخم دورهم، وهم يخدمونها بتضخيم هذا الدور في الإعلام والمؤتمرات.

لقد وصفتَ في أحد تصريحاتك المجموعة التي أعدّت لقاء اسطنبول بـ«نادي واشنطن السوري». وهناك حديث عن تمويل أميركي لهذا اللقاء. ما هي برأيك دوافع هذا التمويل؟ وهل تعتقد أنه مرتبط بأجندة سياسية معينة؟

- الإدارة الاميركية خسرت معركتها مع «حزب الله» في لبنان، وخسرت معركتها مع إيران بخصوص النووي، وهي تعوّل الآن على تحويل الثورة السورية إلى نوع من الحرب بالوكالة ضد الدور الإيراني في المنطقة. ولا يخفى على أحد أن أميركا لا تريد على الإطلاق دعم ثورة تهدف إلى التغيير الديموقراطي المدني في المنطقة العربية. الثورة الديموقراطية السورية ثورة بالأصالة لا حرب بالوكالة. كان هناك بشكل مؤكد تمويل أميركي، رسمي وغير رسمي، لمجموعة إسطنبول. وكان هناك أيضاً تمويل خليجي. لكننا نؤمن بأن المال لا يصنع الثورات. المال يمكن أن يؤثر سلباً في الثورة، ويعزز الوصولية والتآمر في طريقها، ويُضعِف دور المناضلين الفعليين في مراحل معينة. لكن المال لا يمكنه أن يغيِّر مجرى التاريخ.

هناك مبادرة روسية طُرح فيها اسم هيثم مناع رئيساً لحكومة انتقالية في سوريا. ما موقفكم من ذلك؟

- نحن وصلتنا بالفعل أخبار عن ذلك المقترح. وهو مقترح فيه نقاط غموض عديدة. بالنسبة إلي شخصياً، لا أعتقد أن الوقت حالياً هو وقت تشكيل حكومات، بل الوقت هو وقت حماية الثورة وحماية المواطن السوري. لذا، فقبل أن نناقش أي مقترح من هذا النوع، لا بد من ضغط روسي على الحكومة السورية لوقف الحل الأمني، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والسماح للحركة الاجتماعية المدنية بالتعبير عن نفسها بحرية. عندئذ فقط سنكون مستعدين للنظر في ما يمكن أن يقدّمه الروس من مقترحات.

هل ترى أن لقاء إسطنبول و«المجلس الوطني» يشكّلان خرقاً للوثيقة التوافقية التي تم توقيعها في الدوحة؟

- إسطنبول كانت بمثابة إلغاء نهائي لما جرى التوافق عليه في الدوحة. فقد تم الاتفاق في الدوحة على أن يكون «الائتلاف الوطني السوري» هو المنظم الأساسي للمساعي الهادفة إلى تشكيل «مجلس سياسي سوري» لاحقاً. وتم التوافق على أن ذلك سيتم بعد أن تتشكل قيادة للائتلاف الوطني تضم أهم القوى السياسية. على أن تمثل تلك القيادة أساساً، وبنسبة عالية، القوى الموجودة فعلياً داخل القطر. لكن هذه المسألة تم التحايل عليها لاحقاً، عبر إعادة الروح إلى لقاءات إسطنبول، بعد فشل محاولتين سابقتين، من خلال استقطاب بعض الأطراف الضعيفة التمثيل في الداخل، سواء تعلق الأمر بالإخوان المسلمين، الذين يقتصر دورهم في الثورة أساساً على الصناعة الإعلامية وإرسال المساعدات، أو «إعلان دمشق»، التي لم تعد تلك القوة التي عُرفت في السابق، فضلاً عن كون أهم مثقفي «إعلان دمشق» هم اليوم في «هيئة التنسيق الوطنية»، ولم ينضموا إلى إسطنبول.

على صعيد الموقف من التسليح والتدخل الأجنبي، هل هناك تباين بين وثيقة الدوحة ولقاء إسطنبول؟

- نحن عملنا دائماً على بلورة مبادئ أساسية تتوافق عليها كل قوى المعارضة. وبدأنا بذلك من خلال إعلان «عهد الكرامة والحقوق»، الذي طُرح في 17 أيلول نصاً فوق دستوري يضم المبادئ الاساسية للجمهورية السورية الثانية. وذلك ما لا يوافق عليه بالتأكيد قسم كبير من الإسلاميين. لذا، فقد تم تغييب هذا النص الأساسي في «المجلس الوطني»، وتمت الاستعاضة عنه بنص إعلاني فضفاض وغير تأسيسي. النص الإعلاني لـ«المجلس الوطني» لم يقم على برنامج سياسي واضح، وكل الأمور تُركت غامضة ومبهمة، بحيث إن كل شخص يفسر إعلان إسطنبول على طريقته. واحد يتحدث عن تدخل عسكري، وواحد عن تدخل إنساني، وآخر يقول لا تدخل خارجياً بأي شكل من الأشكال. أما بالنسبة إلينا، فبرنامجنا واضح، ولاءاتنا واضحة، ومطالبتنا بإسقاط النظام واضحة. وكل هذه المسائل تم التوافق عليها، ولم يكن حولها أي لبس أو خلاف.

كيف ترى وضع المعارضة الآن. وهل ترى أن التعدد شكل من أشكال التنوع الديموقراطي؟ أم يكرس التفرقة ويضعف صوت المعارضة؟

- الثورة الجزائرية نجحت رغم وجود «حركة التحرير الجزائرية» و«جبهة التحرير». وذلك يعني أن الوحدة من أجل الوحدة ليست برنامجاً منطقياً وعقلانياً للتغيير. ولا يمكن أن نقبل بالتوحّد على أي أساس كان، لمجرد الحرص على الوحدة. الأساس هو البرنامج السياسي والأرضية التوافقية المشتركة. نحن نرى أن هذه ليست مشكلة. من حقهم (الذين انضموا إلى «المجلس الوطني») أن يجرّبوا، ليروا بأنفسهم إلى أين يمكن أن تذهب هذه التجربة. أما نحن، فنرى أن واجبنا اليوم هو تكوين قطب وطني ديموقراطي مدني قوي، لأن هذا القطب هو الضمانة الوحيدة لنجاح الثورة. الثورة إذا تأسلمت تفشل، وإذا تطيَّفت تفشل، وإذا تعسكرت تفشل.



الدول التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع السلطات السورية يمكن أن تلعب دوراً أساسياً وفاعلاً. والدور الروسي له أهمية خاصة جداً. وخلال اتصالاتنا، كنا نقول دوماً للسلطات الروسية إنه ليس من صالحها أن تضع كل بيضها في سلة واحدة، وأن تقف في صف السلطة، بل يجب أن تستمع لوجهة نظر الثوار، وأن تتعاون معهم.