... وكأنّ كل شيء توقّف مع «موقعة» مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، التي انتهت بفيتو روسي ــــ صيني مزدوج ضدّ مشروع القرار الأوروبي المعدَّل مراراً ضد سوريا؛ فيتو توقف عنده المراقبون مليّاً لما يحمله من معانٍ تعدّدت تفسيراتها، بما أنه لا معنى إجرائياً أو عملياً لفيتو مزدوج بحسب نظام الأمم المتحدة، لكون استخدام دولة واحدة من الدول الخمس لحق النقض كفيلاً بإجهاض أي مشروع قرار معروض على التصويت.
من هنا، يمكن طرح جملة من الأسئلة لأن هذه الحادثة تكاد تمثل سابقة تاريخية في مجال جلسات مجلس الأمن، على الأقل في ما يتعلق بأحد ملفات الشرق الأوسط: إن كان الفيتو الروسي أقرب إلى المنطق، فلماذا ارتأت الصين، وهي الدولة الأقل استخداماً لحق النقض منذ عام 1971، اللجوء إليه مع روسيا؟ هل ذلك رسالة إلى واشنطن والكتلة الأوروبية في مجلس الأمن مفادها أن لا جدوى من الاستمرار بمحاولة إمرار مشروع قرار ضد سوريا، أم على العكس، أي إنّ الفيتو المزدوج علامة ضعف تعني أنّ الإصرار الأميركي ــــ الفرنسي ــــ البريطاني لا يمكن كسره إلا بتحالف روسي ــــ صيني؟
في كل الأحوال، استفاق العالم على مواجهة كلامية كادت سوريا تُنسى معها، بما أنها تمحورت حول الفيتو بحدّ ذاته. ومثلما كان متوقعاً، رحّبت دمشق بلجوء روسيا والصين إلى الفيتو في جلسة فجر الثلاثاء ــــ الأربعاء. وقالت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، «إنه يوم تاريخي، لأن روسيا والصين وقفتا إلى جانب الشعوب وضد الظلم». كذلك سارع المندوب السوري لدى مجلس الأمن بشار الجعفري إلى شكر حليفَي بلاده على استخدامهما حق النقض، مرجّحاً أن الدول الغربية المعارضة لنظامه «ستكرر محاولاتها في استصدار قرار أممي» ضد دمشق. غير أن كلاماً سورياً مختلفاً كلياً جاء من معارضة الخارج ممثّلة بالمفكر برهان غليون إزاء فشل مشروع قرار مجلس الأمن، فحذّر من أن الفيتو «سيشجّع أعمال العنف» في سوريا. وقال غليون إن «دعم (الرئيس السوري) بشار الأسد في مشروعه العسكري والفاشي لن يشجّع الشعب السوري على البقاء في الثورة السلمية». وما إن انتهت جلسة مجلس الأمن فجر أمس، حتى انهالت المواقف الغربية الغاضبة إزاء الموقفين الروسي والصيني، فتشابهت تعليقات كلّ من واشنطن ولندن وباريس وبرلين وصولاً إلى كانبرا وروما. وكشفت المندوبة الأميركية سوزان رايس أن «الولايات المتحدة مستاءة بشدة من إخفاق المجلس تماماً». وتابعت رايس «اليوم، يستطيع شعب سوريا الشجاع أن يرى من يدعم تطلعاته إلى الحرية وحقوق الإنسان العالمية، ومن لا يقوم بذلك». بدوره، وصف وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه جلسة التصويت بأنها «يوم حزين للشعب السوري ولمجلس الأمن». كلام مشابه صدر عن وزراء خارجية كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأوستراليا كيفن رود. بدورهما، حاولت المعنيتان بالهجمة الدبلوماسية الغربية، أي روسيا والصين، الرد على الحملة؛ فقد نفت وزارة الخارجية الروسية أن تكون «محامية الدفاع عن نظام الرئيس السوري»، مبررةً دوافع استخدامها الفيتو ضد مشروع القرار الذي تخلى حتى عن التلويح صراحةً بفرض عقوبات على دمشق، بأنه كان «منحازاً إلى إدانة عنف طرف واحد، وقائماً على أساس فلسفة تصعيد التوتر وغضّ النظر عن أعمال المعارضة الراديكالية». كذلك أوضح وزير الخارجية الصيني لي باو دونغ أن بكين تعارض «التدخل في الشؤون الداخلية (لسوريا)، وعارضنا القرار الغربي لأنه لن يحسّن الوضع في سوريا».
أما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فجزم بأن بلاده عاقدة العزم على فرض «مجموعتها الخاصة من العقوبات»، وذلك بالتزامن مع انطلاق مناورات الجيش التركي في محافظة هاتاي قرب الحدود السورية. وعلّق أردوغان على فشل مجلس الأمن بالقول «بالطبع الفيتو لا يمكن أن يمنع العقوبات. سنطبّق حزمة من العقوبات بالضرورة»، وذلك بعد زيارته لمخيمات اللاجئين السوريين في هاتاي التي كشفت وكالة أنباء الأناضول أنها ستحصل في التاسع من الشهر الجاري.
في غضون ذلك، أصدر الأسد مرسوماً جديداً يقضي بتحديد يوم الاثنين 12 كانون الأول موعداً لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحلية، وذلك بعد شهر على إصداره مرسوماً خاصاً بقانون الإدارة المحلية، وآخر يتعلق بالانتخابات العامة. ميدانياً، أكدت «الهيئة العامة للثورة السورية» أن عناصر الجيش والأمن أغلقوا جميع مداخل مدينة دوما في ريف دمشق، وشنّوا حملة اعتقالات واسعة شملت نحو مئتي شخص.
على صعيد آخر، اعترفت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأن والدة زينب الحصني أكدت أن الشابة التي ظهرت في التلفزيون السوري الرسمي لتنفي أنها تعرضت للتعذيب وقتلت، كما ورد في تقارير جماعات حقوقية، هي ابنتها فعلاً.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)