رام الله | اليوم هو العاشر لخوض أكثر من ستة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، إضراباً عن الطعام. هؤلاء فضلوا الأمعاء الخاوية على المهانة والذل اللذين يتعرضان لهما يومياً بأسلوب ممنهج على أيدي إدارات السجون، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ليتماهوا في تجربتهم مع تجارب مماثلة خاضها الأسرى في مواجهة الاحتلال، إذ إن أول إضراب نفذوه بدأ في عام 1969 في سجن «الرملة» واستمر لمدة 11 يوماً، لكن أشهر الإضرابات حدث في عام 1976 منطلقاً من سجن عسقلان، لتحسين شروط الحياة الاعتقالية، واستمر 45 يوماً.
والدة الأسيرة دعاء الجيوسي في مدينة طولكرم، المحكومة بثلاثة مؤبدات، وهي صاحبة الحكم الأعلى من بين الأسيرات الـ38 في سجون الاحتلال، كانت قد سقطت مغشياً عليها في سجن الدامون حيث تقبع ابنتها، خلال زيارتها الأخيرة لها قبل الإضراب، بعدما شاهدت القيود في قدميها، ونُقلت إلى المستشفى في وضع صحي صعب.
والدة دعاء، أم جميل، اشتكت إلى الله من المشهد الصعب، واصفةً إياه بأنه لا يمكن تحمله لأي أم، عندما ترى ابنتها مربوطة بالقيود، وقالت: «هذه إهانة وإذلال لا يطاقان، يتعاملون معنا كالعبيد بلا كرامة». أم دعاء لم تستطع أن تكمل تلك الزيارة بسبب الوعكة الصحية التي أصابتها، مطالبة بالتدخل ووضع حد لهذه المعاملة للأسيرات، التي لا مثيل لها في التاريخ.
هذه صورة من الواقع، تفسر بعض الأسباب التي دعت الأسرى الفلسطينيين للإضراب، مطالبين بأبسط حقوقهم بأن يعاملوا كبشر، لا كالحيوانات أو حتى العبيد، من قبل المحتل الإسرائيلي.
«الأخبار» اخترقت أسوار السجن وتواصلت مع الأسرى لإسماع صوتهم، الذي بدا خافتاً خلال الحديث، أولاً لأن الجوع والعطش أنهكاهم بعد عشرة أيام من الإضراب، وثانياً خوفاً من إجراءات تعسفية بحقهم في حال اكتشاف الهاتف النقال. هناك في سجن النقب الصحراوي، تحدث عدد من معتقلي الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين لـ«الأخبار» عن الإضراب، وعن أوضاع الأسرى التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، حيث أكدوا استمرار الإضراب، وأصروا على إعادة الوجبات إلى إدارة السجن اليوم الخميس، التزاماً مع المضربين من إخوانهم في كافة سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ورداً على الإضراب، بدأت إدارة السجون بفرض عقوبات على الأسرى الفلسطينيين، من بينها قطع الملح عن الأسرى المضربين، ما يهدد بتعفن أجسادهم وأمعائهم في وسيلة للضغط عليهم، سحب كافة الأجهزة الكهربائية من عندهم وعزلهم بشكل مطلق عن العالم، عزل عدد كبير منهم بشكل جماعي كعزل 53 أسيراً مضرباً في قسم خاص في سجن شطة، عزل أسرى مضربين في أقسام السجناء الجنائيين كما هي الحال مع الأسيرين منصور شريم وإبراهيم حبيشة، اللذين عزلا في قسم مع الجنائيين في سجن شطة، منع المحامين من الزيارات للأسرى المضربين، عمليات الدهم والتفتيش الاستفزازية لغرف وأقسام المضربين كما حدث في سجن عسقلان وإطلاق الغاز عليهم، ما أدى إلى نقل عدد من الأسرى إلى عيادات السجن.
كذلك، ذكرت صحيفة «معاريف» أمس، أن مصلحة السجون الإسرائيلية «شاباس» بدأت تطبيق خطة التضييق على حياة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، مشيرة إلى أن الخطة تتضمن حرمان الأسرى الانتساب إلى المعاهد والمؤسسات الأكاديمية، ومنعهم من تقديم امتحانات الثانوية العامة وتقليص قائمة الطعام والأغذية، إضافة إلى أنها تقوم منذ الأشهر الأخيرة بعمليات تفتيش ليلية للأسرى وتعبث بأغراضهم.
وتحدث وزير شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع لـ«الأخبار» عن الأوضاع التي يمر بها الأسرى، مؤكداً أن حملة قمع مسعورة وعقوبات جائرة بدأت إدارة سجون الاحتلال بفرضها على الأسرى المضربين عن الطعام في كافة السجون، فضلاًَ عن تهديدات بكسر شوكة المضربين وعدم الاستجابة للمطالب الإنسانية المشروعة التي يطرحها الأسرى، محذراً من تدهور الوضع الصحي للأسرى المضربين الذين يدخلون يومهم العاشر من الإضراب المفتوح عن الطعام وفي ظل أجواء أقل ما توصف به أنها «إرهابية» وعدم تقديم الفحوص الطبية اللازمة لهم، وخاصةً أن عدداً من الأسرى المرضى امتنعوا عن تناول الدواء والطعام، من بينهم كبار السن وأسرى قدامى.
وأكد قراقع أن سياسة تقييد أيدي وأرجل الأسرى والأسيرات كانت أحد الأسباب الرئيسية لتفجير الإضراب الذي بدأ في السابع والعشرين من أيلول الماضي، مشيراً إلى أن الزيارات بحد ذاتها أصبحت وسيلة عقاب وتعذيب للأسرى والأهالي، الذين يتعرضون للإذلال خلال التفتيشات، وأنها تجري من وراء حاجز بلاستيكي، مشيراً إلى أن وقف تقييد الأسرى خلال الزيارات، الذي بدأت سلطات الاحتلال بتطبيقه ضمن مجموعة العقوبات الجائرة التي فرضت عليهم في الأشهر الأخيرة، فضلاً عن السماح بلقاء المحامين بمثابة مطلب مهم للأسرى. وكشف عن انطلاق حملة كبيرة للتضامن مع الأسرى ووجود اهتمام من القيادة الفلسطينية التي بدأت تتحرك لوقف ما وصفه بالعدوان والعقوبات الجائرة على الأسرى المضربين والمحتجين على ظروفهم القاسية.
الشارع الفلسطيني، بدوره، ليس بعيداً على الإطلاق عما يجري داخل السجون الإسرائيلية. فقد خرجت المسيرات في كل المدن الفلسطينية، ونظمت الاعتصامات أمام السجون، وانطلقت حملات المناصرة لهم في كل مكان، حتى اخترقت شبكات التواصل الاجتماعي، لتعريف العالم بقضيتهم العادلة.
آخر الاعتصامات كان أمس أمام سجن عوفر القريب من رام الله، هناك سقط عدد من الجرحى بسبب عنف قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي استخدمت كل الأسلحة لتفريق المعتصمين من الفلسطينيين نصرة لأخوتهم داخل السجون.