عادت الدولة العبرية لتُشغل بملف عملية الباص 300، بعد عرض فيلم وثائقي على القناة الإسرائيلية العاشرة، وتقرير صحافي في صحيفة «هآرتس»، يكشفان لأول مرة سير الأمور تفصيلياً. الثلاثة الذين شغلوا مناصب رفيعة المستوى، وهم رؤوفين حازاك وبيليغ راداي ورافي مالكا، حملوا في قلوبهم سرّاً عميقاً، «كان يمكن لكشفه أن يهزّ جهاز الأمن الإسرائيلي، وأن يرسل عدداً من قادته إلى السجّن المؤبد»، بحسب ما جاء في الفيلم، فيما رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي في حينه أبراهام شالوم حارب من أجل عدم الكشف عن هذا السر. قضية «باص 300» انفجرت في نيسان من عام 1984. كان إسحاق شامير رئيساً للحكومة الإسرائيلية. يوم الخميس 12 نيسان 1984، اختطف أربعة فلسطينيين الباص رقم 300، الواصل بين مدينتي تل أبيب وأشكلون (عسقلان) باتجاه غزة، وأوقف في دير البلح. في الساعة الرابعة وخمسين دقيقة فجراً، اقتحم عناصر «سرية هيئة الأركان» (سييرت متكال) الحافلة، وأطلقوا النار على الخاطفين؛ قُتل اثنان منهما واعتُقل اثنان.
من بقي على قيد الحياة من الخاطفين نقل إلى التحقيق. أحد المصوّرين، ايتسيك ليفاك، التقط صورةً لاثنين من عناصر الشاباك يقتادان الشاب الفلسطيني مجدي أبو جمعة وهو على قيد الحياة. شاهده عنصر الشاباك وطلب منه تسليمه الفيلم، لكنه أعطاه فيلماً آخر. من بعدها أحيل الاثنان على التحقيق، حيث جرى ضربهما. ضرب شارك فيه شالوم نفسه، الذي طلب من عنصري الشاباك تصفية الشابين الفلسطينيين صبحي ومجدي أبو جامع (وهما أبناء عم). نحمان طال رئيس القسم العربي في الشاباك، بحسب الفيلم، طلب من شالوم ألّا يفعل. قال له: «عناصرنا يقولون إنه جرى تصويرهم»، لكنّ شالوم لم يرد. شالوم ذاته قال بعد سنوات إنه لو فهم أنه جرى تصوير العنصرين «لما أعطيت هذا الأمر الغبي». رئيس وحدة العمليات في الشاباك، إيهود ياتوم، التزم بأمر شالوم، وأمر بتكبيل الشابين ووضعهما في سيارة ونقلهما إلى مكان معزول. هناك، ضرب ياتوم ومن معه الفلسطينيين بالحجارة والقضبان الحديدية حتى الموت.
الأخبار تحدثت في اليوم التالي عن أن اثنين من الخاطفين قتلا، بينما أنزل الاثنان على قيد الحياة. شالوم طلب من راداي أن يقنع الإعلام بعدم نشر الصور، إلا أنه رفض، فالتقى شالوم بشامير وقال له إن وزير الدفاع موشيه أرينز أمره بذلك، من دون أن يكون هذا صحيحاً. وقد غضب أرينز الذي أمر بتعيين لجنة تحقيق، إلا أن شالوم حاربها فلم تتوصل إلى الحقيقة. بعد إنهاء اللجنة عملها، الأمر الوحيد الذي كان واضحاً هو أن الضابط يتسحاك موردخاي هو الوحيد الذي كان من الممكن أن يكون مسؤولاً عن القتل، لأن صورةً أخرى بيّنت أنه هو من حقّق مع الشابين.
الأكاذيب بدأت بتوريط مردخاي، لكنّه بُرّئ. 15 شهراً بعد العملية تبيّن أن القضية منتهية، ولجنة بلاتمان، وهي لجنة تحقيق ثانية، لم تكشف من قتل خاطفي الباص. كل شيء انتهى. شالوم اعتقد أن الأمور انتهت، لكن القادة الثلاثة راداي وحازاك ومالكا قرروا الحديث، وجرّوا الشاباك إلى معركة أخرى. حازاك الذي كان نائباً لشالوم طالبه بالاستقالة، وتوجّه إلى شمعون بيريز الذي حاول تغطية الأمور. ومن بعدها جرى التوجه مجدداً إلى المستشار القضائي للحكومة. تطورت الأمور إلى مكان لم يستطع بيريز إيقافها. وفي ليلة الاحتفال الإسرائيلي بـ«الاستقلال 38» (1986)، دعا بيريز المستشار القانوني للحكومة يتسحاك زامير وبينيش إلى مكتبه، وأخبرهما أن بإمكانهما تقديم الملف إلى الشرطة وفتح تحقيق جنائي في الموضوع. لكن في المقابل، رئيس الدولة قدّم أمر عفو عن رجال الشاباك، بمن فيهم الرئيس السابق أبراهام شالوم.