طرابلس | هواء طرابلس لا يزال يعبق برائحة النصر. الأطفال يهزجون بأناشيد الثورة وبأسماء أبطالها في «ميدان الشهداء» (الساحة الخضراء سابقاً). جدران المدينة تحوّلت الى معرض فنّي عبّر فيه الشباب الليبي عمّا اختزنته قلوبهم من نقمة على القذّافي ونظامه سنين طويلة... الأعلام الوطنيّة في كلّ مكان. الليبيون استبدلوا علم القذّافي ذا اللون الأخضر الكئيب بـ«علم الاستقلال» بألوانه الثلاثة: الأخضر، الأحمر والأسود، ويتوسطها بالأبيض الهلال والنجمة.
تسمع على شاشة التلفزيون فتاة ليبيّة تقول مبتهجة إنّها لأوّل مرّة تلوّح بعلم بلادها منذ أيّام الطفولة... العلم ليس الوجه الوحيد الذي عاد من الماضي ليشارك في الانتقام من العقيد الهارب. صور ولوحات تمثّل «شيخ الشهداء» عمر المختار في كلّ الأركان. وحتّى الملك إدريس السنوسي، الذي انقلب عليه القذّافي قبل أربعة عقود ونيف، سجل حضوره؛ وإن كان محتشماً، على جدران المدينة وعلى ألسنة أبنائها. هؤلاء يردّدون أنّه كان ورعاً، وأنّه بنى المؤسّسات القليلة التي كسبتها الدولة، فيما لم يخلّف القذّافي وأبناؤه غير الخراب. وبغضّ النظر عن مدى دقّة هذا الكلام أو غيره، فإنّ الأكيد أنّ هنا ثمة شعباً يريد أن يفرح بثورته على «قائد الثورة».

الانتقام من «بوشفشوفة»

أوّل ما يلفت الانتباه في طرابلس ليس الوجود المكثّف لمقاتلي المعارضة، الذين فرضت قناة «الجزيرة» مبكراً تسميتهم «الثوّار»، بل تحوُّل كلّ شيء تقريباً إلى ألوان «علم الاستقلال»: الأخضر، الأحمر والأسود. فبقدر ما كان القذّافي مهووساً بصبغ كلّ شيء بلون «كتابه الأخضر»، كان ردّ فعل الليبيين معاكساً. لكن الأمر لا يتوقّف على الألوان. أسماء بعض الشوارع والساحات تغيّرت أيضاً. شارع الأوّل من سبتمبر (الموافق لتاريخ قيادة القذّافي للانقلاب على الملك السنوسي سنة 1969) تحوّل الى شارع الاستقلال، والساحة الخضراء صارت ميدان الشهداء، وجامعة الفاتح أصبحت جامعة طرابلس، والى آخره من التسميات المماثلة، لكن سهام الثورة لم تُصب رموز النظام السابق وحده؛ بل أصابت أيضاً من ساندوه، إذ صار الكثير من «الطرابلسيّة» ينادون ميدان الجزائر بميدان قطَر؛ وذلك احتجاجاً على موقف النظام الجزائري الذي ساند القذّافي، على عكس النظام القطري، الذي يرون أنّه وقف إلى جانبهم.
ومن الأمور التي يصعب عدم ملاحظتها السخرية اللاذعة من القذّافي في كلّ مكان وعلى كلّ لسان تقريباً... الليبيون، الذين كانوا يخاطرون بسلامتهم إن نطقوا باسمه مجرّداً من لقب يسبقه، صاروا ينادونه «بوشفشوفة» (في إشارة ساخرة إلى شعر رأسه الأشعث). تكثُّف سخط الشعب على الرمز الأوّل للنظام أمر متداول في مختلف الثورات العربيّة، لكن هنا يأخذ بعداً آخر. يبدو كمسألة شخصيّة تمسّ الجميع. الليبيون لم يغفروا للقذّافي عباراته المهينة والمحقّرة بحقّهم. وهو ما قد يفسّر كثرة الشعارات التي تنعت القذّافي وأبناءه بـ «الجرذان». والشبّان الليبيون يتنافسون في إبداع رسوم وصور كاريكاتوريّة تسخر من القذّافي. ففي إحداها هو متخفِّ داخل قمامة، وفي أخرى تحوّل الى جرذ مختبئ في أحد المجاري، وفي ثالثة إلى ثعبان أمسكت بخناقه يد الثورة. طلال، الشابّ العشريني الذي شارك في العمل السرّي أيّام الثورة، يفسّر الأمر بـ «أنّه لم يكن هناك نظام هنا كي نطالب بإسقاطه. حكم القدّافي كان فوضى عارمة وأرجع البلاد الى الوراء». وبالتالي من الطبيعي في رأيه أن يحمّله الليبيون مسؤوليّة كلّ المساوئ.

اكتشاف حرّية التعبير

حتّى مآذن المساجد تبدو كأنّها تثأر لنفسها من العقيد في طرابلس، إذ لا يكاد التكبير المنبعث منها يتوقفّ طوال اليوم. طلال يوضح أنّ المساجد أدت دوراً رئيسياً في ثورة النّاس هنا. يتحدّث عن التظاهرة الأولى التي انطلقت يوم 20 شباط من جامع جمال عبد الناصر (أو المركز الإسلامي كما يسمّيه البعض) الى الساحة الخضراء. يومها سقط صديقه أيمن التومي أوّل شهيد للمدينة برصاص شرطة القذّافي. يذكر أيضاً يومَ حاول الشباب الخروج من الجامع نفسه، فأحاط بهم عناصر اللجان الشعبية وأطلقوا عليهم الرصاص واعتقلوا منهم الكثيرين. وكيف كان هؤلاء، إضافة الى مرتزقة أفارقة، يندسّون بين المصلّين في صلاة الجمعة لإجهاض محاولات التظاهر في مهدها. آثار بعض الرصاصات لا تزال بادية على الجدران الخارجيّة للجامع.
التكبير كان بمثابة كلمة السرّ التي أطلقت شرارة انتفاضة طرابلس يوم العشرين من رمضان. وهو يتواصل ويتكثّف أحياناً عندما تشتدّ المعارك المتواصلة في سرت وبني وليد. لا يقطع لحنه الساحر غير صوت زخّات الرصاص المنطلق في سماء المدينة من حين لآخر. المقاتلون لا يزالون يملأون المدينة ولم تنفع مناشدات المواطنين والمسؤولين في وسائل الإعلام ولا الملصقات التحسيسيّة، التي وضعها المجلس الانتقالي في الشوارع، في القضاء على ظاهرة إطلاق الرصاص احتفالاً في الهواء، رغم ما خلّفته من ضحايا.
فوضى الرصاص لا تضاهيها سوى فوضى الصحف ووسائل الإعلام. «الكلمة»، «ميدان الشهداء»، «فبراير» والخ. عناوين لا تُحصى لجرائد جديدة ظهرت كالفطر منذ تحرير المدينة. يبدو الليبيون كأنّهم يريدون التمتّع بمناخ الحرّية الحديث قبل انقشاعه كسحابة صيف. إذاعات وقنوات تلفزة خاصّة عديدة ظهرت ايضاً، إثر قرار إغلاق القنوات الرسميّة التي كان يديرها النظام. أهمّها قناة «ليبيا الحرّة» القريبة من المجلس الانتقالي. مضمونها لا يزال يراوح بين الأخبار وتغطية الاحتفالات بالانتصار على «الطاغية»، وفضح ما كان يخفيه من أسلحة لقمع شعبه. لا وجود بعد لبرامج حواريّة تعكس الصراعات السياسيّة التي تشقّ حكّام البلاد الجُدُد.
حرّية التنظّم أيضاً في ازدهار في طرابلس، لكن ما يلفت الانتباه هو عدم ظهور تشكيلات حزبيّة بعد. ليس السبب استمرار التزام الليبيين بمقولة «من تحزَّب خان» الخضراء، بل لأنّ «اللعبة السياسية لم تبدأ بعد، كما ذكر الدكتور محمود جبريل (رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الانتقالي)»، يقول آدم كعبر، الأستاذ في كليّة الحقوق في طرابلس. في الأثناء تنتشر ملصقات وإعلانات عن ندوات أو أسواق تبرّع تنظّمها جمعيّات خيريّة ذات خلفيّة دينيّة أو منتديات شبابيّة أو ثقافيّة.

«دعهُ يعمل...»

سالم (24 عاماً، متخرج من إحدى الجامعات الأميركيّة في اختصاص إدارة الأعمال)، يرى أنّ بناء ديموقراطيّة حقيقيّة في ليبيا سيتطلّب «أربعين عاماً أخرى على الأقلّ. الأمر ليس سهلاً بالنسبة إلينا نحن العرب»... وهو غير منزعج ممّا يقال في بعض وسائل الإعلام عن قُرب بعض قادة المجلس الانتقالي من الغرب، «نحن خسرنا عشرات مليارات الدولارات مع القذّافي وثلث الليبيين كانوا يعيشون تحت خطّ الفقر... نعم سنضطرّ إلى دفع مليارات أخرى للغرب في البداية، لكن أهمّ شيء هو أنّنا استرجعنا حرّيتنا».
التفاؤل لا يزال السمة الأبرز في كلام أهل المدينة الذين تحدَّثت إليهم «الأخبار». فوزي، بائع الفواكه في سوق شعبيّة بشارع لبيد، يقول إنّ أهمّ شيء ربحه الليبيون بعد هروب القذّافي هو «الراحة النفسيّة». فالحياة عادت إلى طبيعتها، ولم يعد هناك شرطة بلديّة يضايقون الباعة ويطلبون منهم الرشوة. «الجميع يسترزق... كلّ من يريد ينصب بضاعته ويبيع(...) هناك باعة تونسيون وجزائريون أو مغاربة يعملون بكلّ حرّية الآن». وحتّى الأسعار «عادت الى ما قبل الأحداث... كيلو الموز بجنيه (دينار ليبي) ونصف دينار، والإجاصّ بجنيهين». أهمّ شيء في نظر ساكن الحيّ الشعبي، سوق الجمعة، هو أن النّاس يستطيعون العمل بلا مشاكل، لكن تحت رقابة الدولة، وأن يتحسّن التعليم والصحّة. وينهي ضاحكاً: « أنا من مواليد الفاتح من سبتمبر (تاريخ انقلاب القذّافي) ولم آخذ شيئاً ممّا كان يهديه القذّافي لمواليد هذا التاريخ... لم ينتفع بذلك سوى قلّة من المحظوظين بفضل علاقاتهم. بنيت نفسي دون منّة من أحد».



تفاؤل عام

لا يقتصر التفاؤل على الليبيين في طرابلس. عمّال مصريون التقيناهم في «مقهى زكريّا»، في أحد الأحياء المتواضعة للمدينة القديمة، يرنون بأمل إلى المستقبل. حسن، وائل ومحمود، يعملون في البناء وصقل الرخام في طرابلس. لم يعودوا إلى مصر مع اندلاع الأحداث في ليبيا. الوضع لم يتغيّر كثيراً في رأيهم بعد، لكنّهم يشعرون براحة نفسيّة أكبر بكثير. يقولون إنّ «الثوّار يعاملون المصريين معاملة جيّدة على عكس الكتائب، الذين كانوا يكرهونهم ويتهمّونهم بطعنهم في الظهر في مصراتة وبجلب السلاح للثوّار».حسن يتذكّر كيف أوقف ذات مرّة في إحدى نقاط التفتيش التابعة لكتائب القذّافي وفتّشوه بطريقة مهينة وأجبروه على نزع ملابسه. ويقولون إنّ المصريين بدأوا يعودون على نحو متزايد للعمل في المدينة.




بين ليبيا وتونس... الثورة وحّدت المصالح والمصائر




عندما تصل إلى مدينة بن قردان (600 كيلومتر من العاصمة تونس) المتاخمة للحدود الليبية، عليك أن تبذل جهداً كي لا تنسى أنّك لا تزال في تونس. كلّ شيء هناك مختلف تقريباً. ففي ما عدا الغبار وحالة الطرقات التي تذكّرك بمدن «تونس المنسيّة» وقراها، وبعض الأعلام الوطنيّة، بقيّة المشهد تبدو مختلفة. تكاد تستغرب أنّ الغالبية الساحقة للافتات الإعلانية باللغة العربيّة، على عكس العاصمة والمدن الساحليّة، حيث تكاد الفرنسيّة تطغى. تكتشف مهنة أخرى لم تعهدها من قبل في باقي البلاد: الصِرافة على قارعة الطريق. فهنا لا يجوز أن تفاجأ كثيراً برؤية طاولات تنتشر على جانبي الشارع، ويجلس وراءها رجال يلوّحون لك برزمة أوراق نقديّة هاتفين «صَرْفْ... صَرْفْ». وإن قرّرت المبيت في مدينة بن قردان فإيّاك والوصول آخر الليل، حيث لن تجد سريراً واحداً في فنادقها المتواضعة لتأوي إليه. فالمدينة التي لا تنام شوارعها ليلاً هي محطّة العبور الرئيسيّة للعديد من الليبيين الخارجين من بلدهم المضطرب أو العائدين إليه. هنا لا تكاد تعرف من لهجة مخاطبك إن كان تونسياً أو ليبياً. هنا لا تفهم أصلاً لماذا لا تزال هناك حدود تفصل البلدين، والثورتين عن بعضهما بعضاً.

مصالح متشابكة

لا يمكن سكّان بن قردان السبعين ألفاً أن يتصوّروا حياتهم بعيداً عن الجار النفطي الكبير، كما لا يمكن الليبيّين أن ينسوا أنّ المدينة ومعبرها الحدودي كانا الرئة التي تنفّسوا من خلالها طوال سنوات الحصار الغربي. ويذكر جلّ التونسيين أنّ «البروفة الأخيرة» قبل ثورتهم اندلعت في هذه المدينة في شهر آب من السنة الماضية، الذي صودف حلوله مع شهر رمضان. وقتها حدثت مواجهات دامية بين شباب المدينة وتجّارها وبين قوّات الأمن التونسيّة، على الأثر أغلقت السلطات الليبيّة المعبر الحدودي «رأس الجدير» واحتجزت سيّارات تونسيّة محمّلة ببضائع من ليبيا. سالم، سائق سيّارة الأجرة التونسي (مجاز في التاريخ منذ 11 عاماً، لكنّه لم يعمل بعد في التدريس)، يروي كيف كان أهالي المدينة، المعروفون بكرمهم كبقيّة أهل الجنوب، يحملون الطعام لرجال الأمن ويقولون لهم «موعدنا بعد الإفطار» لمواصلة المواجهات.
وانتشر وقتها أنّ الليبيين أغلقوا البوّابة تنفيذاً لاتّفاق غير مُعلَن بينهم وبين النظام التونسي بهدف ثني التجّار التونسيين عن سلوك الطريق البرّي، ودفعِهم الى نقل بضائعهم عبر مسلك بحري مملوك لآل الطرابلسي، أصهار بن علي، ذلك ما أسرّ به بعض رجال الجمارك الليبيين لبعض التجّار من أهل المدينة، الذين تمثّل التجارة مع ليبيا مصدر رزقهم الوحيد.

ثورة قوم عند قوم

مع اندلاع الثورة في ليبيا تعكّرت أوضاع سكّان المدينة من جديد، إذ كاد ينقطع البنزين الذين كانوا يورّدونه من هناك على نحو «غير قانوني». «سعر 20 ليتراً وصل الى40 ديناراً تونسياً»، يقول سالم. الأمر الذي جعل الكثير من سوّاقي الشاحنات وسيّارات الأجرة يستغنون عن البنزين، ويشغّلون سياراتهم بأسطوانات الغاز.
ورغم بقاء المعبر تحت سيطرة القوّات الموالية للقذّافي حتّى أواخر شهر آب الماضي، نشط المعبر إلى حدّ كبير نسبياً، بالتوازي مع معبر الذهيبة الذي يبعد عنه 200 كيلومتر، والذي سيطر عليه «الثوّار» مبكراً.
مصائب ليبيا كانت «منافع» عند مواطني بني قردان. فرغم تعاطفه مع الشعب الشقيق لا ينفي محمّد، أحد شباب المدينة، أنّ أحداث ليبيا أسهمت في «تدوير الدولاب» (أي تنشيط الدورة الاقتصاديّة)، إذ مثّل توافد آلاف اللاجئين من جنسيات مختلفة مورد رزق غير متوقّع لسكّان المدينة. ويوضح أنّ المنظّمات الدولية كانت تنتدب عدداً منهم للعمل في المخيّمات بأجر قد يناهز شهرياً الـ 900 دينار تونسي (وهو ما يتجاوز أجرة الأستاذ في التعليم الثانوي في تونس).
إلا أنّ مهنة جديدة انتشرت على نحو واسع في المدينة، إذ تحوّلت شوارعها بين عشيّة وضحاها إلى بورصة ماليّة، ذلك بعدما بادر بعض التجّار الى تحويل محالّهم من بيع الخضار أو القهوة الى «مكاتب صرافة» لاستبدال الدينار الليبي بالدينار التونسي أو العكس.

اجتياز الحدود

في سيّارة الأجرة على الطريق إلى معبر رأس الجدير، التقت «الأخبار» شابّاً ليبياً يُدعى عبد السلام. الأخير كان في تونس لإجراء كشوف طبّية، وهو سعيد بعودته الى بلده «المُحرَّر» كما يقول. يتبادل عبد السلام مع صديق له آخر النكات عن القذافي وعن المكان المحتمل لاختبائه. ويستمع عبر هاتفه الى أغاني راب لفنّانين شباب ليبيين يمجّدون فيها شهداء الثورة. عبد السلام مستبشرٌ خيراً بما جرى في بلاده، إذ يرى أن الأوضاع لا يمكن أن تصير أسوأ ممّا كانت عليه. وعند استفساره عن ذلك، أجاب: «القذّافي حوَّلنا إلى متسوّلين. اذهب مثلاً الى منطقة «بن عاشور» (قرب طرابلس) واسأل عن حوش عائشة (قصر فخم لابنة القذّافي) وقارنه بالبيوت المحيطة به. عندها ستفهم لماذا يكره الليبيون القذافي».
المعبر يزدحم بطوابير طويلة من سيّارات الليبيين العائدين بكثافة هذه الأيّام الى تونس، كما تصادف بعض التونسيين المسافرين الى ليبيا لاعتقادهم بأنّ فرص الشغل بدأت تتوافر من جديد. الثوّار الذين يسيطرون على المعبر من الجانب الليبي متواضعون وعفويّون في معاملاتهم.
تشعر بشيء من الدهشة لرؤية شباب، معظمهم في الثلاثينيات من العمر، يؤدون دور موظفي الجمارك بثيابهم العسكريّة وبنادقهم على أكتافهم. يعاملون التونسيين ببشاشة رغم الإرهاق الظاهر على وجوههم. عند المرور تسمع أحدهم يسرّ إلى صاحبه وهو يشير الى مسافر عبَر لتوّه «ذاك مغربيّ ولا مشكلة معه. الجزائريون أمرهم مختلف». عند اجتياز المعبر يلفت الانتباه الوجود الكبير لرموز وشعارات خطّها على ما يبدو ثوّار من المناطق الأمازيغيّة. أحد هذه الشعارات يقول «الأمازيغيّة حقّ... والحقّ لا يضيع». وفي الجانب الليبي من المعبر صادفت «الأخبار» شباناً ليبيين معتصمين على ما يذكّر بـ «حواجز الاحتجاج» في بعض المدن الغربيّة، إذ يقومون بإبطاء سير السيّارات المغادرة للمعبر ويشرحون لسائقيها قضيّتهم قبل أن يسمحوا لهم بالعبور. هؤلاء يعتصمون اليوم مطالبين «المجلس الانتقالي الليبي» بالاستماع إلى مطالبهم. فالأخير لا يعتني كفاية، حسب رأيهم، ببعض الجرحى الموجودين في تونس، الذين تتطلّب حالاتهم المعقّدة نقلهم إلى مستشفيات أوروبيّة أكثر تطوّراً.
وقبل مفارقة عبد السلام، الذي كان متوجّهاً الى مدينة الزاوية، تسأله إن كان لا يخاف من تبعات التدخّل العسكري لقوات الأطلسي، فيجيب مبتسماً: «ثقتنا كبيرة في المجلس الانتقالي. ونحن لن نسمح للأجانب باحتلال ليبيا من جديد. تأكّد أنّهم لو أنزلوا قوّاتهم البرّية لانضمّ جميع الليبيين الى القذّافي».
غسان...