القاهرة ــ الأخبار كان من المتوقع أن تكون التظاهرة القبطية التي جرت الدعوة إليها قبل أسبوع أمام ماسبيرو (مقر التلفزيون) مشابهة للتظاهرات الأسبوعية التي تشهدها المنطقة وميدان التحرير. غير أن الواقع جاء مغايراً، إذ تحوّلت إلى ما يمكن تسميته «ثورة قبطية»، بعدما اندلعت مواجهات بين المتظاهرين والجيش أدت، بحسب مصادر رسمية، إلى سقوط أكثر من 22 قتيلاً، إضافة إلى مئات الجرحى. المسيرة انطلقت من محافظة شبرا احتجاجاً على هدم كنيسة في أسوان (جنوب مصر)، مردّدين هتافات مناهضة للمجلس العسكري، على اعتبار أن قرار الهدم جاء من المحافظ. غير أن الوضع خرج عن السيطرة مع وصول المشاركين إلى كورنيش النيل، حيث مبنى التلفزيون.

روايتان متناقضتان للمشاركين والإعلام الرسمي الذي أعاد إلى أذهان المصريين أداءه خلال ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، حين كان يتهم المتظاهرين بقتل رجال الأمن، وهو ما كرره أمس، حين أشار إلى أن الأقباط تعدّوا على قوات من الجيش ورجال الشرطة العسكرية بالسيوف والخناجر والسنج، ما أدى إلى استشهاد 3 مجندين وإصابة أكثر من مئة آخرين بعد إطلاق المتظاهرين النار عليهم.
غير أنه كان للمشاركين رواية أخرى، إذ قال طلعت يوسف لـ«رويترز» إن المحتجين كانوا يسيرون سلمياً. وأضاف «حين وصلنا الى مبنى التلفزيون (الحكومي) بدأ الجيش يطلق ذخيرة حية»، مضيفاً ان مركبات الجيش دهست محتجين». عملية دهس أكدتها الصور التي بثّتها القنوات الفضائية. وأكد أحد الموجودين في المكان لـ«الأخبار» أن غالبية القتلى سقطوا بسبب عمليات الدهس، متوقعاً ارتفاع حصيلة القتلى.
وأكد شهود لـ«الأخبار» أنه لدى مرور المسيرة بمنطقة كوبري السبتية وسط القاهرة، فوجئوا بقيام عشرات الأشخاص برشقهم بالحجارة والزجاجات الفارغة، بينما أطلق أحد الأشخاص عياراً نارياً في الهواء لمحاولة تفريق المسيرة. وتوقف المشاركون في المسيرة عند ميدان القللي وسط القاهرة، مردّدين «باطل... باطل، ارفع رأسك فوق إنت قبطي، بالروح بالدم نفديك يا صليب، ارفع كل رايات النصر، مصر دولة مدنية مش إمارة في السعودية، يا طنطاوي يا ابن مبارك... سجن طرة في انتظارك، الشعب يريد إسقاط المشير، يسقط يسقط حكم العسكر».
ورفع المتظاهرون الصلبان وصور المسيح أثناء المسيرة، وأحرقوا صورة لمحافظ أسوان اللواء مصطفى السيد، احتجاجاً على تصريحاته بشأن أحداث قرية المريناب، مشيرين الى أن تلك التصريحات تخل بمبدأ المواطنة، وطالبوا بإقالة مدير الأمن اللواء أحمد ضيف صقر لتقاعسه عن حماية حقوق الأقباط بأسوان.
بين الروايتين كان القتلى هم الحقيقة الوحيدة في المشهد، ما أدى إلى ثوران غضب المتظاهرين الذين أقدموا على إحراق مجموعة من السيارات، وبينها سيارة للشرطة. وتحدث أحد الموجودين في المكان لـ«الأخبار» عن دخول بلطجية في المواجهات لتأجيج العنف، مشيراً إلى وجود رجال أمن بلباس مدني كانوا يضربون المتظاهرين. وشدد على أنه ليس غالبية المتظاهرين كانوا من الأقباط، رغم أن بداية المسيرة كانت كذلك، مؤكداً انضمام أطراف أخرى معارضة لسياسات المجلس العسكري إلى المحتجّين الأقباط.
ولم تمر الأحداث الدموية من دون شائعات تسهم في تأجيج العنف، إذ إنه بعدما تراجعت قوات الشرطة العسكرية لحماية مبنى ماسبيرو ووقف المتظاهرون على الكورنيش أمام المبنى، أشاعت مجموعة من المجهولين أن أحد المتظاهرين مزّق «مصحفاً»، فتدافع تجاهه المئات واعتدوا عليه بالضرب المبرح. وبعد هذا الحادث، انطلقت هتافات طائفية وانقسم المتظاهرون إلى قسمين، وردّدوا هتافات معادية، ما أكد ان الحركة لم تكن قبطية تماماً.
بعدها بدقائق، ظهر مئات المجهولين الذين يستقلون دراجات بخارية، ودخلوا في حماية الشرطة العسكرية، واعتدوا على المتظاهرين بالجنازير، ما أشاع حالة من الهياج والصراخ.
في المقابل، بدأت تظهر بعض عناصر التيارات الإسلامية، في محاولة لتهدئة الموقف، وردّد بعض المتظاهرون هتافات تدعو إلى الوحدة الوطنية.
وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس كانت الأحداث لا تزال بعيدة عن السيطرة، ما دفع رئيس الوزراء عصام شرف إلى الخروج إلى الإعلام، والدعوة إلى ضبط النفس حتى تتمكن مصر من عبور هذه المرحلة المهمة، قائلاً إن «المستفيد الوحيد هم أعداء الثورة وأعداء الشعب المصري من مسلميه ومسيحييه». وأضاف «ما يحدث الان ليس مواجهات بين مسلمين ومسيحيين، بل هو محاولات لإحداث فوضى واشعال الفتنة بما لا يليق بأبناء الوطن الذين كانوا وسيظلون يداً واحدة ضد قوى التخريب والشطط والتطرف». وتابع ان «تطبيق القانون على الجميع هو الحل الأمثل لكل مشاكل مصر».