تعز | حين تتجمد السياسة ويذبل المد الثوري، ويشتد العقاب المُركّز فوق المدن، يُدرك شباب الساحات في اليمن، أن الثورة في خطر حقيقي، وتُحاك ضدها أكثر من مؤامرة... الشكوك باتت حقائق ناصعة، والقلق المسيطر على قلوب ساحات الحرية والتغيير من وصاية خارجية لم تنجح الوسائل الثورية في دحره، بلغ أعلى مستوياته. هكذا تبدو الحال في المدن اليمنية.
ومنذ عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من رحلة علاجية للرياض، بات اليمنيون يلحظون استراتيجيات جديدة من المؤامرات السعودية. في العلن، تبدو السعودية واقفة ضد رأس النظام اليمني من خلال تصريحات خجولة تدين ما يجري من مجازر. وفي الباطن، تُحاك الكثير من الخطط، التي تربك الناس. مغادرة المبعوث الخليجي غاضباً الى نيويورك وتهديده بإحالة ملف اليمن على مجلس الأمن لم ترعب النظام اليمني، بل جعلت من ناطقه الرسمي يوجه المزيد من الإهانات إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، ويتهمه في مؤتمر صحافي «بأنه لا يفهم الديموقراطية»، حتى بات اليمن الفقير، في غمضة عين «نداً»، للدول الفاحشة الثراء. على ماذا يتكئ علي عبد الله صالح؟ تساؤل ليس بالمُحّير، وإجابته أكثر من سهلة في نظر كثيرين.
وفيما يؤكد شباب الثورة السلمية، أن صالح «أجبن» من قمع المدن بتلك الوحشية لو لم يملك بيده كل المفاتيح التي تسمح له بتنفيذ أي مخطط دامٍ، يدركون أن ما يجري على الأرض يكشف أنه عاد من المملكة كمبعوث، من أجل تنفيذ مهمة واحدة فقط: الإجهاز على الثورة. لكي تنجح عملية الاغتيال، يجب أن تسدد الطلقة إلى القلب. ومن خطط الرياض، مواجهة مدينة تعز، التي لا تملك فيها أي أياد تستطيع السيطرة عليها كما فعلت في حرب الحصبة، في محاولة منها لجعل قلب الثورة يتوقف عن النبض.
وخلال الأيام الفائتة، التي أعقبت عودة صالح السرية الى صنعاء، كثّف النظام من سياسة العقاب المركز على مدينة طالما كانت مصدر الإلهام الثوري، لبقية المحافظات اليمنية، فعاشت المدينة قصفاً عشوائياً، بالأسلحة الثقيلة، حوّل حياة السكان الى جحيم مروّع. وخلّف القصف الذي تتلقاه المدينة ليلاً منذ شهور قتلى وعشرات الجرحى.
على الرغم من ذلك، لم يُدخل القصف، الذي تعرضت له المدينة، شبابها في مخابئ، بل حرّك لديهم عديد تساؤلات، عن دوافع تصعيد وحشي غير مسبوق، ومصدر شجاعة غير معهودة عند صالح. يقول الصحافي عبد العالم بجاش، الذي يقطن أحد الأحياء التي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام، في حديث لـ «الأخبار»، «كان تصرفا جباناً ومخجلاً في القاموس العسكري، ما كان له أن يجري بدون توافر مسبق لغطاء خارجي ممن يتحكم في الموقف الدولي».
بدوره، يصف الصحافي نبيل سبيع ما تعرضت له مدينة تعز اليمنية بأنه «قصف إقليمي»، وأن الثورة السلمية في تعز لا تبدو تحت نيران صالح بقدر ما تبدو تحت نيران القوة الإقليمية العظمى في اليمن، أي السعودية. ويرى أن القرار السعودي الوحيد الثابت في سياسة المملكة تجاه الثورة في اليمن معروف وواضح لأبسط هواة السياسة؛ تصفية الثورة السلمية عن بكرة أبيها. وهو ما عبر عنه الأمير سعود الفيصل في أيار الماضي بقوله «لا بد من فض الساحات»، وانتهى الأمر باجتياح ساحة الحرية بتعز.
ويضيف سبيع «هناك الكثير مما يجعل من ضرب الثورة في تعز هدفاً لإرضاء الشقيقة الكبرى. فتعز هي معقل الثورة السلمية، ومعقل الهوية الوطنية الجامعة، حيث تتوارى العصبيات الضيقة لصالح الهوية الواسعة، هوية اليمن الكبير. ولهذا، لا غرابة في أن تقف تعز وجهاً لوجه أمام السعودية، وأمام آلة القمع والتنكيل التي يديرها نظام العمالة بالوكالة عن القوة الإقليمية العظمى في اليمن». ولعل مجاهرة أبناء المدينة بالغضب اليمني من سياسة الهيمنة السعودية في اليمن، وإحراق دمية العاهل السعودي في ساحة قلب اليمن النابض منذ عدة أيام خير مثال على ذلك.
كذلك فإن أولى التظاهرات التي كانت تطالب السعودية بكف اليد عن الثورة اليمنية وعدم التدخل فيها، انطلقت من ساحة تعز، تخللها ابتكار الشباب لعدد من الهتافات من بينها «يا سعودي عقلك وين... هذي اليمن مش بحرين»، إضافة الى الصور التي أبرزت فتاة كانت تلبس العلم اليمني، وهي مقيدة وبجانبها فتاتان تلبسان العلم السعودي والأميركي، كجهات مقيدة لليمن.
وفيما يرى مراقبون أن الحالة المدنية التي تتمسك بها تعز في ثورتها السلمية، هي التي تمثل قلقاً للنظام وترعب المملكة العربية السعودية، يدرك شباب الثورة بدورهم أن عودة صالح، حملت معها ضوءاً أخضر لإخماد ثورة لا تطيقها السعودية في بلد هو أقرب الجيران، وأن المملكة ستقدم لصالح كل الضمانات التي تمنع محاكمته لو نكّل بشعبه بأي الطرق، ونجح في إفشال الثورة الشبابية التي ربما تشتعل سريعاً الى ممالك النفط.
وفيما يصف عز الدين، وهو من الشباب المرابطين في ساحة الحرية على نحو دائم، صالح بـ «العبد المأمور»، يقول إن كل المؤشرات تدل على أن صالح لم يكن يرغب في العودة الى اليمن، وأن السعودية أجبرته على العودة، في مهمة لنزع فتيل ثورة لن تسلم من شظاياها. ويضيف، في حديث لـ «الأخبار»، «غصن الزيتون السعودي لا علاقة له بنشر السلام، إنه عصا جديدة أوصت الرياض صالح بأن يشق بها الثورة، فتنقسم الى نصفين»، بينما يجزم آخرون بأن صالح لا يدافع عن نظامه فحسب، بل إنه مجرد «قنّاص أجير»، يغتال حلم أبناء بلده، لحساب دولة ثرية. وفي ظل هذه الأجواء، تخلص كافة التحليلات للمرحلة المقبلة في اليمن الى نتيجة موحدة هي أن الثورة ستشهد أياماً صعبة. فتجميد الفعل السياسي من قبل السعودية، والسماح لصالح بـ «فرصة أخيرة» لاقتلاع ثورة مهما كانت التكلفة، سيجعلان من ساحات الثورة هدفاً للمزيد من القذائف، والنيران سُتحرق المدن أكثر.



رسالة إلى مجلس الأمن


تظاهر عشرات آلاف اليمنيين، أمس، في صنعاء لتوجيه «رسالة» إلى مجلس الأمن الذي يفترض أن يتسلم خلال ساعات تقريراً خاصاً عن اليمن من المبعوث الأممي جمال بن عمر. وانطلقت الجموع من ساحة التغيير بالقرب من جامعة صنعاء باتجاه ميدان التحرير حيث يعتصم الموالون للنظام، إلا أن طوقاً أمنياً مشدداً فرضته القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح (الصورة) أجبر المتظاهرين على تغيير مسارهم والعودة الى ساحة التغيير.
وقال محمد العسل، عضو اللجنة الإعلامية لشباب «الثورة الشعبية السلمية»، إن هذه التظاهرة «رسالة الى مجلس الأمن»، مشيراً إلى أنه يتعين على مجلس الأمن «أن يضغط على صالح وبقايا نظامه ليرحلوا». في هذه الأثناء، حذر مركز أبعاد للدراسات والبحوث اليمني من انفجار وشيك للوضع العسكري بين قوات صالح والقوات الموالية للمحتجين بقيادة على محسن الأحمر، بالتزامن مع إحالة الملف اليمني على مجلس الأمن. وأوضح التقرير أنه يخشى «أن يقوم الرئيس علي عبد الله صالح بإنشأء مجلس عسكري يشرف على عمليات الحسم العسكري ضد المطالبين بإسقاط نظامه»، محذراً من أن أي مواجهات «لن تكون بمثابة اختبار أو نزهة لطرف معين، بل ستكون حرباً ضروساً».
(أ ف ب، يو بي آي)