شهدت إسرائيل في الأشهر الماضية نقاشاً واسعاً ومعمقاً بشأن الأهمية الاستراتيجية لخطوط حزيران 1967 لضمان أمن إسرائيل، وما يتفرع عنها من مطالب إسرائيلية بضرورة الاحتفاظ على السيطرة الكاملة على منطقتي غور الأردن، وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، في إطار أي تسوية مستقبلية مع السلطة الفلسطينية.
وكان النقاش قد احتدم حول خطوط 1967، ومدى قابلية الدفاع عنها من قبل إسرائيل، في أعقاب دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل والفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والسعي إلى التسوية وفق عدة مبادئ، بينها حل مشكلة الحدود على أساس خطوط 67، الأمر الذي أثار حفيظة واعتراض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لم يتورع عن انتقاد أوباما على موقفه هذا في عقر داره، متسلحاً بذريعة العمق الاستراتيجي لإسرائيل للقول إن حدود 67 غير قابلة للدفاع عنها من قبل إسرائيل، وبالتالي فهي غير صالحة كمبدأ للتفاوض، لأن من شأن القبول به تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر الشديد.
ويمكن القول إن مقولة عدم قابلية خطوط 67 للدفاع عنها، قد تحولت إلى «عمود الخيمة» في استراتيجية نتنياهو الحدودية إزاء أي تسوية ممكنة، بحيث أنه من شأن سقوط هذا العمود أن يُفضي إلى تهاوي البنيان الذي يؤوي ذرائعه، ويُعري مزاعمه، ويكشف الخلفية الحقيقية التي تقف وراء رفضه تسوية الصراع مع الفلسطينيين على أساس حدود 1967، على الرغم من كل الضغوط والمغريات التي مارستها عليه الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن مجرد تلفظ نتنياهو بالأرقام الأربعة، 1967، كان من شأنه ليس فتحة كوة في جدار الجمود الذي تشهده عملية التسوية، بل إطاحة الجدار كله وفتح آفاق واسعة أمام مساعي التسوية.
غير أن من يراقب ويتابع بورصة مواقف نتنياهو من خطوط 1967، يجد تمسكاً متزايداً من قبله برفضه أن تكون هذه الخطوط أساساً لترسيم حدود الدولة الفلسطينية، وهو ما حصل في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تضمن رؤيته لمسألة حدود 67، واعتبارها تمثل خطراً أمنياً كبيراً على المدن الإسرائيلية بحجة افتقار إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي. وسأل أمام رؤساء دول العالم «كيف إذاً يمكن حماية دولة بالغة الصغر كهذه محاطة بناس أقسموا على إبادتها وأصبحوا مدججين بالسلاح بفضل إيران؟».
إذا كان سؤال نتنياهو إلى العالم بقي من دون جواب، فقد جاءه الرد من اهل البيت، رد يُسقط «عمود خيمته»، لسببين رئيسيين: مصدره ومحتواه. ففي وثيقة أعدها «المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن» في شهر أيلول، تناولت موضوع حدود 1967، ومدى كونها قابلة للدفاع، خلصت إلى التأكيد على أن صيغة حدود عام 1967، مع تبادل أراضٍ، تضمن لإسرائيل خطوط دفاع وحماية جيدة في مواجهة التهديدات ذات الصلة، وأن السيطرة في منطقتي غور الأردن وغربي الضفة الغربية ليست ضرورية على الإطلاق لمواجهة هذه التهديدات.
وتنبع أهمية هذه الوثيقة أولاً من الجهة التي تولت إعدادها، وفريق العمل الذي شارك في العملية. فالمجلس الإسرائيلي للسلام والأمن، هو محفل غير حزبي، وإن كان معارضوه يعطونه صبغة يسارية، يضم نحو ألف عضو يتمتعون بخبرة وتجربة وماض سياسي وأمني غني، ويضم بين أعضائه شخصيات تولت سابقاً مناصب عليا في الجيش الإسرائيلي، والموساد والشاباك والشرطة، إلى جانب سفراء ومدراء عامين في الوزارات المختلفة، وأساتذة جامعيين وأكاديميين في مجالات متعددة. وقد تأسس المجلس عام 1988 على يد مجموعة من كبار الضباط في الاحتياط، برئاسة اللواء أهرون ياريف، وقام المجلس على أساس فكرة تقول إن الأمن مجال مهني يتطلب معرفة واسعة وخبرة، وأن الهدف منه هو وضع المعرفة والخبرة اللتين يتمتع بهما أعضاؤه في خدمة الجمهور الواسع، كي يكون قادراً على بلورة موقفه من القرارات الصعبة المتعلقة بالأمن وعملية السلام.
على هذا الأساس، وجد المجلس أن من واجبه أن يُدلي بدلوه في النقاش الدائر في إسرائيل بشأن الأهمية الاستراتيجية والأمنية لخطوط 67، فاجتمعت لهذه الغاية مجموعة عمل في المجلس، ووضعت وثيقة تحت عنوان «وثيقة المجلس في موضوع الحدود القابلة للدفاع»، حيث شارك في مجموعة العمل، رئيس المجلس حالياً اللواء احتياط ناتي شاروني، ورئيس شعبة الاستخبارات سابقاً اللواء احتياط شلومو غازيت، واللواء احتياط عاموس لبيدوت، والعميد احتياط شاؤول غبعولي، والعميد احتياط شلومو بروم، والعميد احتياط غادي زوهر، والعقيد احتياط شاؤول أريئيلي.
حاولت الوثيقة إسقاط عمود الخيمة في استراتيجية نتنياهو، من خلال الإجابة عن عدد من الأسئلة، أهمها ما هي التهديدات الرئيسة التي قد تضطر إسرائيل إلى مجابهتها؟ وما هي أهمية غور الأردن وغربي الضفة كعمق استراتيجي وحدود قابلة للدفاع عنها يمكنان إسرائيل من مواجهة هذه التهديدات بصورة أفضل؟
في ما يتعلق بصورة التهديدات، أشارت الوثيقة إلى أنه عندما تبلور مفهوم الحاجة إلى حدود قابلة للدفاع عنها، وبالتالي ضرورة الاحتفاظ بسيطرة إسرائيلية على منطقة غور الأردن، كان التهديد الرئيس المتربص بإسرائيل عندها هو إمكان تعرضها لهجوم بري واسع النطاق مدعوم جوياً من ائتلاف عربي.وقد كان ذلك تهديداً وجودياً بسبب عدم التناظر بين إسرائيل والعالم العربي، الذي كان أحد عوامل غياب العمق الإستراتيجي. لكن الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط تغير كلياً، واختفى تقريباً تهديد الهجوم البري الواسع، وذلك للأسباب التالية:
في أعقاب التغيرات التي طرأت على النظام العالمي فقد العرب تأييد قوة عظمى تدعم وتساند مثل هذه الخطوة؛ انهيار فكرة الوحدة العربية والعمل العربي الجماعي، ما أدى بالتالي إلى انعدام فرص قيام ائتلاف عربي من هذا القبيل؛ وقعت إسرائيل على معاهدتي سلام مع دولتين عربيتين (مصر والأردن) أدتا إلى إخراجهما من دائرة الحرب والمواجهة. في المقابل أقرت جميع الأنظمة والحكومات العربية، من دون استثناء، وفق ما عبر ذلك عن نفسه في مبادرة السلام العربية، بانعدام إمكان تحقيق أهدافها حيال إسرائيل بالطرق غير السياسية. تعرض العراق، الذي يمثل عنصراً مركزياً في أي جبهة شرقية ضد إسرائيل، لهزيمة في حربي الخليج، وسحقت قواته العسكرية، وسوف يحتاج إلى سنوات طويلة من أجل إعادة بناء قوة عسكرية مؤثرة، هذا إذا ما نجح العراق في الحفاظ على وحدته.
لهذه الأسباب، ترى الوثيقة، أن التهديدات العسكرية الرئيسة التي ستضطر إسرائيل إلى مواجهتها في الحاضر والمستقبل المنظور، تنحصر في مجالين رئيسين آخرين:
مواجهة في مجال يقع تحت أو دون الحرب النظامية الكلاسيكية، أي في مجال حرب العصابات والإرهاب؛ خوض حرب ضد إسرائيل بأدوات وأسلحة استراتيجية، خاصة الصواريخ الباليستية وأسلحة دمار شامل.
وتشير الوثيقة إلى أنّ هناك عدة أمور مشتركة لهذين المجالين، أهمها: إن الهدف الرئيس في كلا المجالين هو السكان المدنيون في إسرائيل؛ يعتمد كلاهما، كسلاح رئيس، على قدرة إطلاق صاروخية، قادرة على تغطية كامل مساحة دولة إسرائيل؛ الأمر المشترك الثالث لهذين المجالين يتمثل في كونهما لا يسعيان إلى تحقيق انتصار أو حسم عسكريين، بل لاستنزاف قوى إسرائيل وضرب المعنويات وتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية ومعنوية.
بعد عرض صورة التهديدات، تنتقل الوثيقة إلى فحص ما إذا كان غور الأردن وغربي الضفة، يمثلان رداً على التهديدات. وفي هذا المجال تؤكد الوثيقة على أن منطقتي غور الأردن وغربي الضفة لا تقدمان رداً ذا صلة حيال التهديدين الرئيسين الجديدين. ذلك أن مدى الصواريخ يمكّن من تغطية كامل مساحة دولة إسرائيل بتهديد صاروخي مكثف من دون الحاجة إلى نشر أي قاذفات أو منصات إطلاق غربي نهر الأردن، كما تؤكد الوثيقة أن صلة المنطقتين (الغور والضفة) بالنسبة إلى تهديد الإرهاب وحرب العصابات، هي صلة ضعيفة جداً.
في المقابل، لم تغفل الوثيقة ما يتعلق بالتهديد العسكري الكلاسيكي، الذي وإن عدّت أن خطورته انحسرت بدرجة كبيرة في العقود الأخيرة، إلا أنها أشارت إلى أنه لا يمكن الجزم هنا بعدم وجود مغزى للأراضي أو المناطق الجغرافية، لكنها مع ذلك لفتت إلى بعض الملاحظات في هذا السياق:
إن استخدام تعبير أو مصطلح عمق استراتيجي في ما يتعلق بمنطقتي غور الأردن وغربي الضفة، هو ضرب من السخرية والاستهزاء. فإسرائيل لا تملك عمقاً استراتيجياً، سواء مع أو بدون غور الأردن. فعرض إسرائيل مع غور الأردن لا يزيد عن 40 كيلومتراً تقريبا، ومن هنا، فإن ثمة حاجة إلى حلول أخرى لهذا التهديد.
إذا كان الهدف من السيطرة في غور الأردن هو ضمان وجود رد عسكري حيال هجوم بري، فإن أي تحليل عسكري بسيط يبين أن المسألة المهمة هنا ليست الاحتفاظ بوجود عسكري على خط نهر الأردن أو في منطقة غور الأردن ذاتها، إذ إن أي قوة عسكرية منتشرة في هاتين المنطقتين سوف تعاني ضعفاً طوبوغرافياً وستكون عرضة للنيران من الغرب والشرق. فالمنطقة الحاسمة والأكثر أهمية هي المرتفعات المؤدية من غور الأردن إلى السفوح الجبلية، إذ إن وجود وانتشار القوات فوق سفوح الجبال المطلة سيحولان منطقة الغور إلى منطقة إبادة لأي قوة مهاجمة. القوة العسكرية التي ستمكث دائماً في غور الأردن ستكون في جميع الأحوال محدودة في حجمها، ومعرضة لخطر دائم بالمحاصرة.
استناداً إلى ما تقدم، تخرج الوثيقة بخلاصة مفادها أن منطقتي غور الأردن وغرب الضفة الغربية لا تمثلان حلاً للتهديدات الرئيسة المتوقعة بعد التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وأنه يتضح من تحليل المسائل الرئيسة المرتبطة بالحدود القابلة للدفاع عنها، أنه يمكن في نطاق المفاوضات مع الفلسطينيين بشأن الحدود الدائمة، رسم حدود قابلة للدفاع عنها على أساس خطوط عام 1967 مع تبادل أراض بحجم غير كبير.



استيطان جديد في القدس

وافقت بلدية القدس على بناء إحدى عشرة وحدة سكنية جديدة في اطار مشروع اكبر حجماً، في حي بيسغات زئيف الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل، كما اعلن مستشار بلدي لوكالة فرانس برس. وقال هذا المستشار بيبي الالو، من حزب ميريتس اليساري، ان «البلدية وافقت في مطلع الاسبوع على بناء احدى عشرة شقة في اطار برنامج من 300 وحدة سكنية يفترض ان تتم الموافقة عليها لاحقاً دفعة دفعة». وكانت وزارة الداخلية الاسرائيلية قد أثارت في 27 ايلول موجة احتجاجات فلسطينية ودولية عندما وافقت على بناء 1100 وحدة سكنية جديدة في حي جيلو الاستيطاني في القدس الشرقية. وبنت اسرائيل منذ حزيران 1967 نحو اثني عشر حياً استيطانيا يقيم فيها اكثر من 200 الف اسرائيلي في القدس الشرقية التي تعد 270 الف فلسطيني.
(أ ف ب)