القاهرة | كالعادة، جاءت ردود الأفعال على أحداث ماسبيرو مخيّبة لآمال المصريين الذين تابعوا المأساة عبر أكثر من فضائية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» اللذين نقل من خلالهما الناشطون تفاصيل ما كان يجرى لحظة بلحظة. أولى الصدمات كانت في عدم خروج أيّ من المسؤولين في المجلس العسكري ليعتذر عما بدر من قائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين،
عندما قال للتلفزيون المصري إن القوات المسلحة «معنوياتها مرتفعة»، وكان السؤال، عن أيّ معنويات يتحدث؟ فهل كان ما يحدث أمام ماسبيرو حرباً؟ كانت حرباً بالفعل سقط فيها حتى الآن نحو 36 قتيلاً وما يقارب من 290 جريحاً.
الجميع انتظر بيان المجلس العسكري الذي لم يأت بجديد وكرّر نفس النغمة السقيمة بأنّ «أيادي خارجية تعبث بأمن الوطن واستقراره». الكلام نفسه الذي قاله رئيس الوزراء عصام شرف فجر أمس. وجاء في البيان «لقد تابع شعب مصر بقلق شديد الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد مساء الأحد والتي حولت التظاهرات السلمية إلى تظاهرات دموية أدت إلى وقوع ضحايا ومصابين من أبناء هذا الشعب. يعرب المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن خالص تعازيه لأسر الضحايا وتمنياته بالشفاء للمصابين. ويؤكد حرصه على عدم التجاوب مع محاولات الوقيعة بين القوات المسلحة والشعب، والتي أكّد مراراً ضرورة الحذر منها ومن آثارها الخطيرة على أمننا القومي. وقد تم تكليف مجلس الوزراء بسرعة تأليف لجنة لتقصي الحقائق واتخاذ كل الإجراءات القانونية الرادعة حيال كل من يثبت تورطه في الأحداث بالاشتراك أو التحريض».
عندما تُذكر كلمه لجنة تقصي الحقائق، فهذا دليل أكيد على أن الحقيقة ضاعت أو في طريقها الى الضياع. كل لجان تقصي الحقائق التي باشرت أعمالها في الأحداث الأخيرة لم يؤخذ بتقاريرها، رغم أنها كانت تحمل إدانة واضحة لقوات الشرطة والجيش في التعامل مع المتظاهرين، وخصوصاً في أحداث السفارة الإسرائيلية.
أما مجلس الوزراء فأعلن أن هناك خطوات لم يعلنها، يجرى العمل عليها لإزالة حالة الاحتقان، لكنّه أكّد أيضاً أن «ما جرى سببه أياد خارجية تتآمر على مصر». وهذا ما فتح الباب أمام التيارات الإسلامية المتشددة كي تهاجم الأقباط بضراوة، بحيث خرج التيار السلفي ليُدين الأقباط ـــــ النصارى، كما سماهم، في عدد من المحافظات، في الاسكندرية وقنا وأسيوط والقاهرة.
ورغم دعوات كل من الشيخ ياسر برهامي والقيادي السلفي الشيخ محمد عبد المقصود والشيخ محمد حسان، للشباب بعدم النزول الى الشوارع والتزام بيوتهم، فإن عدداً من شباب السلفية نظموا تظاهرات مناهضة للأقباط، مردّدين شعار «الجيش والشعب إيد واحدة».
المواجهات على الأرض بين الأقباط والسلفيين لم تسجل أي إصابات. لكن الحرب الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي كان لها أثر بالغ، إذ صب السلفيون جام غضبهم على الأقباط واتهموهم بضرب الجيش والبلطجة والسعي إلى الحصول على مكاسب على حساب الإسلاميين. كما حذّر شباب سلفيون الأقباط من اللعب بورقة الطائفية حتى يتم تأجيل الانتخابات البرلمانية.
لكن مرشحي الرئاسة كان لهم رأي آخر، وتحديداً محمد سليم العوا، إحدى الشخصيات التي أشعلت فتيل الأزمة العام الماضي عندما قال إن الأقباط لديهم أسلحة في الكنائس والأديرة، فقد أكّد أنّ المسيرة كانت سلمية، قائلاً «معي دليل يؤكّد أن الأقباط لم يبدأوا بالاعتداء على الجيش».
المرشح الإسلامي حازم أبو اسماعيل وصف، بدوره، الاشتباكات العنيفة بين قوات الجيش وآلاف المتظاهرين بأنها «أحداث موجهة لتشديد قبضة الأمن»، موضحاً أنّ «الحشد المضاد لمواجهة الأحداث عملية مصنوعة أيضاً»، داعياً الجميع للعودة الى بيوتهم، ولفت إلى أن ما حدث كارثة أمنية تهدّد الوحدة الوطنية.
ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب أعضاء «بيت العائلة المصرية»، المنظّمة التي تضم رجال دين مسلمين ومسيحيين، الى الاجتماع «بهدف احتواء الأزمة». وقال إنه أجرى اتصالاً مع بابا الأقباط شنودة الثالث.
في المقابل، أصدر المجمع الكنسي، برئاسة البابا شنودة، بياناً طالب فيه الأقباط بالصيام لمدّة 3 أيام، وهو الإجراء الذي لم يحصل منذ عشرة أعوام ويشير الى أنّ الطرق أصبحت مسدودة مع الجهات التنفيذية. كما رفض البابا لقاء المجلس العسكري، متذرعاً بالاجتماع الذي حضره 70 من أساقفة الكنيسة.
وقال المجمع الكنسي، في بيانه الذي صدر عقب الاجتماع، «وإذ نؤكد إيماننا المسيحي بعدم استخدام العنف بكل صوره، كما لا ننسى أن بعض الغرباء قد يندسون وسط أبنائنا ويرتكبون أخطاء تنسب إليهم، إلا أن الأقباط يشعرون بأن مشاكلهم تتكرر كما هي باستمرار دون محاسبة المعتدين ودون إعمال القانون عليهم، أو وضع حلول جذرية لهذه المشاكل».
وأثناء اجتماع المجمع، تجمع أكثر من ألفي شخص للتظاهر داخل أسوار الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، مندّدين بالأحداث التي شهدتها منطقة ماسبيرو، رافضين الهتاف أو التصفيق للأساقفة عقب خروجهم من المجمع المقدس كما هو معتاد، وردّدوا أن الأساقفة لم يعودوا قادرين على حل المشاكل القبطية. وعقب ظهور البابا، هتف المتظاهرون «يا يسوع. يا يسوع. الشعب القبطي بقى موجوع. مش هانخاف. مش هانطاطي. إحنا كرهنا الصوت الواطي. استشهاد. استشهاد. مصر بلدنا ومش هانسيبها». كما نادى المتظاهرون الأقباط بسقوط المجلس العسكري والمشير طنطاوي، وهتفوا «الجيش والشرطة إيد واحدة». وطردوا مراسلي التلفزيون المصري الذي اتهموه بالكذب والتلفيق.
وأجمعت ردود الفعل الدولية على ضرورة المحافظة على حقوق الأقليات في مصر. وأعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قلقه العميق من الاشتباكات. وقال بيان للبيت الأبيض إن «الولايات المتحدة تقف مع شعب مصر في هذا الوقت المؤلم والصعب». وأضاف «لا تزال الولايات المتحدة تعتقد بأنه يجب احترام حقوق الأقليات، بما في ذلك الأقباط، ومنح جميع الناس حقوقهم العالمية بالاحتجاج السلمي والحرية الدينية».
كذلك أعرب العديد من الوزراء الأوروبيين عن قلقهم، وندد وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني بأعمال «عنف شديدة الخطورة ضد الأقباط» في مصر، مبدياً رغبته في صدور «إدانة جماعية» من الاتحاد الأوروبي. وصدرت مواقف مماثلة من روسيا والصين.