المنامة | لا تبدو مملكة البحرين في حال جيدة اقتصادياً؛ فالثورة دفعت برؤوس الأموال إلى خارج البلاد، وشركات عدة أعلنت تصفية أعمالها في الداخل. وفي مقاربة سريعة للوضع المالي للبحرين، يمكن القول إنه رغم تراجع إنتاج النفط، فإن الحكومة عمدت الى تنويع استثماراتها، فتوجهت الى الصناعات الثقيلة والسياحة وجذب الاستثمارات الغربية للبلاد، إضافة الى تعزيز دور البحرين كمركز للمصارف التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية. وفي الوقت نفسه، ساهمت اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة بقوة في دفع عملية الاقتصاد الى الأمام، وفي تصنيف البحرين لاحقاً كأحد أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة. في المقابل عمدت المملكة الى خصخصة القطاعات الحكومية من النقل والاتصالات والخدمات المالية، في خطوة لم تسبقها فيها أي من جاراتها الخليجية. ومع هبوب رياح الأزمة المالية العالمية عام 2008، اتبعت الحكومة البحرينية إجراءات شملت القطاع المصرفي، وهدفت الى منع انزلاق البلاد في الدوامة العالمية. وهكذا كان يتوقع أن تشهد البحرين نمواً قدره 4 في المئة في عام 2009.
لكن كل شيء تغير مع انتقال كرة اللهب الثورية الى أراضي الأرخبيل في الرابع عشر من شباط الماضي. بحيث بدأت بعدها رؤوس الأموال بالهرب من البلاد، واستشعرت المصارف، بدورها، بالخطر القادم، فبدأت هي الأخرى إجراءات مشدّدة. وبحسب التقارير الدولية، فإن التأمين على الديون السيادية ارتفع ليصل الى أعلى مستوياته، فيما خفضت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» تصنيف الدين السيادي الى درجتين، وأرجأت حكومة المنامة إصدار سندات خزينة حكومية. أما أسواق الأسهم والبورصة، فقد فقدت المنامة مبالغ ضخمة جرّاء الخسارات المتوالية لأسهم الشركات المدرجة، ولم تفلح معها كل محاولات الإنقاذ الحكومية والخليجية، التي عانت هي الأخرى موجات هبوط شديد.
لكن الأمر على ما يبدو لم يصل بعد الى العملة الوطنية التي ترجح المعطيات المالية أن تشهد دعماً من دول الخليج من جهة، إضافة الى سيطرة المصرف المركزي عليها بشدّة من جهة ثانية. وتشير الأرقام الواردة من المصارف الى عمليات سحب وتحويل للأموال شهدتها بنوك المملكة مع الأيام الأولى للأزمة، ومعظم هذه التحويلات كانت لبنوك إماراتية. وتزداد مخاوف البحرينيين من لجوء أصحاب الاستثمارات الطويلة الأمد الى سحب أموالهم من البلاد، وهو ما سيدخلها في أزمة حقيقية، لن تنفع معها حتى تدخلات الدول المجاورة، وعلى رأسها السعودية. وفي هذا السياق، كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد أقرّت مساعدات تقدر بـ 10 مليارات دولارات لكل من البحرين وسلطنة عُمان عقب اندلاع الاحتجاجات. في ظل هذه الأزمة ومخاطر توسعها، كيف يتفاعل المواطن البحريني معها؟ يتحدث وائل، الموظف السابق في إحدى الشركات الغذائية، عن موجات تسريح طالت الموظفين بحجة تقليص النفقات، لكن الدافع الحقيقي سياسي وطائفي محض، كما يقول. ويشير الى أنه أُجبر هو وغيره على التعهد بعدم المطالبة بأي تعويضات بعد الصرف، قائلاً «جرى الأمر على شكل عقاب على خروجنا في التظاهرات. وكي تكتمل المصيبة، فإن شركات عدة عاملة في البلاد رفضت استقبالي لأسباب مبهمة، وهو ما تكرر مع كثيرين غيري ممن خرجوا مطالبين بالحرية لبلادهم». ويذهب الشاب في سرده لما جرى معه أبعد من ذلك، مشيراً الى سؤال بعض المديرين عن الانتماء الطائفي للمتقدّم بطلب العمل، في خطوة تعمق الانقسام وتهدف الى تبييض الوجوه أمام الملك.
لكن هذا الكلام يقابله نفي قاطع من كنان، مسؤول الموارد البشرية في إحدى كبريات الشركات في البحرين. ويقول إنه لم يصرف أي موظف من الخدمة لأسباب سياسية، وقد يحدث هذا لأسباب تتعلق بالخدمة أو بضبط نفقات بعض الشركات، في ظل الأزمة السائدة التي كبدت البلاد خسائر تفوق ملياري دولار، بحسب تقديره، مطالباً الحكومة بالقيام بخطوات لدعم المؤسسات المتضررة في الحراك الحاصل في البحرين.
بدوره، يقول يوسف، صاحب أحد المتاجر في قلب العاصمة، إن ما يحدث اليوم هو عملية هدم لما بنته السلطة في سنوات طويلة، وإن عمليات هروب رؤوس الأموال والشركات فاقمت نسبة البطالة في البلاد، وأدت الى ارتفاع هائل في أسعار المواد في المملكة، متسائلاً «هل يريد المعارضون دولة ضعيفة تعتاش على مساعدات الدول الإقليمية ولا تقدر على دفع أجور موظفيها، أو أن تتحول البحرين الى دولة يسود فيها الفساد وعدم الاستقرار». ويضيف «القليل جداً من المعارضة هنا يفكر بالحالة الاقتصادية، متناسياً أن سقوط النظام سيطيح معه بنية اقتصادية مضى على إنشائها عقود طويلة». ويخلص الى دعوة الملك لمحاسبة ومعاقبة كل من تسبب بالأزمة الاقتصادية، بما في ذلك الحد من تحويل الأموال إلى الخارج. وما بين قلق رأس المال الهارب وشباب يغرق في البطالة، تعيش البحرين أسوأ أحوالها الاقتصادية.