سيقطف الشعب الفلسطيني خلال أيام ثانية ثمار الربيع العربي، مستعيداً ألفين من أسراه الذين لفّتهم ظلمة سجون الاحتلال على مدى عقود. فبعد سقوط حسني مبارك، الحليف الاستراتيجي للاحتلال وشريكه في الحرب على غزة وحصارها، ها هو رئيس وزراء العدو يتذرع بالخوف من أن يؤدي الوضع المتقلّب في العالم العربي إلى انسداد أفق التفاوض كلياً على استعادة الجندي الأسير، ويبرر بذلك التنازلات التي قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن تل أبيب قدمتها لقاء اتفاق نهائي على تبادل الأسرى مع حركة «حماس». وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع طارئ لحكومته مساء أمس، أنه وقّع بالأحرف الأولى على اتفاق تبادل الأسرى مع «حماس»، التي وقّعت توقيعاً نهائياً أمس. وأضاف أن اتفاق تبادل الأسرى «هو أفضل اتفاق يمكن التوصل إليه»، وخصوصاً على ضوء «العواصف التي تضرب الشرق الأوسط»، وأنه إذا لم يُتّفق على تبادل الأسرى الآن، فإنه قد لا ينفّذ أبداً، واصفاً ذلك بأن «نافذة الفرص كان يمكن أن تُغلق». وأردف أن الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة غلعاد شاليط «سيعود إلى بيته في الأيام المقبلة». وشكر نتنياهو قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذين مكّنوا التوصل إلى الاتفاق، كذلك شكر الوسيط الألماني والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي دعمت الاتفاق، ووجّه «شكراً خاصاً إلى حكومة مصر وقادة الاستخبارات المصرية».
وقبل ظهور نتنياهو أمام الإعلام، كانت إسرائيل قد دخلت حالة استنفار إعلامي سياسي مع إعلان ديوان رئاسة الحكومة «انفتاح نافذة فرص قصيرة المدى» للإفراج عن الأسير المعتقل لدى حركة حماس، غلعاد شاليط. وفور صدور البيان، تداعت وسائل الإعلام الإسرائيلية للحديث عن صفقة تبادل أسرى مع الحركة الفلسطينية جرى التوصل إليها بوساطة مصرية ومساعدة ألمانية، ومن المقرر أن تخرج إلى حيّز التنفيذ في غضون أيام. وقطعت التلفزة الإسرائيلية مساء أمس برامجها لتنقل تغطية مباشرة لحدث الصفقة المتبلورة وانعقاد جلسة طارئة للحكومة.
ووفقاً لما ذكره معلقون إسرائيليون، فإن الاجتماع الحكومي أمس هو الثالث خلال الأيام الأخيرة، حيث كانت هيئة الثمانية الوزارية قد عقدت جلسة سرية قبل يومين جرى فيه بحث الصفقة، ومن ثم عقد المجلس الوزاري المصغر أول من أمس اجتماعاً سرياً ثانياً لوضع أعضائه في صورة التطورات الحاصلة على خط ملف التفاوض الذي جرى في القاهرة. وفي ضوء ذلك، خُصّصت جلسة أمس للبتّ النهائي في الصفقة المنتهية التي جرى التوصل إليها، إذ أراد نتنياهو أن يكون القرار جماعياً ويصدر عن الحكومة ككل كما جرت العادة في حالات سابقة، علماً بأنه من الناحية القانونية غير ملزم بالحصول على تصويت الحكومة لإمرار الصفقة.
وأجمع المعلقون الإسرائيليون على أن العامل الذي أدى إلى حدوث الاختراق في المفاوضات التي جرت في القاهرة بين رئيس طاقم الأسرى الإسرائيلي، دافيد ميدان، وقائد الذراع العسكرية لحركة حماس، أحمد الجعبري، بوساطة مصرية وألمانية، هو إبداء مرونة من جانب إسرائيل في ما يتعلق بعدد الأسرى المقرر إبعادهم، وكذلك أسرى الوزن الثقيل الذين أصرّت تل أبيب طيلة فترة المفاوضات على رفض الإفراج عنهم. ونقلت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة قولها إن السبب الذي دفع إسرائيل إلى إبداء المرونة هو «الوضع السيال والصعب والإشكالي في العالم العربي، الذي دفع نتنياهو إلى الاعتقاد بأن هناك خطراً حقيقياً يحدق بجلعاد شاليط، نظراً إلى تنامي القلق من إمكان عدم توافر الفرصة لإجراء مفاوضات في المستقبل بشأن إطلاق سراحه».