أحمد سعيد خليل الجعبري، أو الرجل الأقوى في حركة حماس داخل قطاع غزة. يدعوه مقربوه بأبي محمد، ويطلق عليه الاحتلال لقب «رئيس أركان حركة حماس». لقب يُصرِّح بـ«المكانة الخاصة» التي تفردها له الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في قائمة المطلوبين للتصفية من قبلها. فالمنصب الذي يشغله بصفته قائداً فعلياً لكتائب عز الدين القسام في قطاع غزة يجعله في موقع المسؤول عن كل نشاط الذراع العسكرية لحماس، ما يكفل له حجزَ نقطة المركز في الهدف الإسرائيلي. بدأ الجعبري حياته النضالية في صفوف حركة فتح التي اعتقل على ذمتها إثر مشاركته في إحدى عملياتها ضد الاحتلال عام 1982. في السجن، حيث أمضى ثلاثة عشر عاماً، آثر ربيب حي الشجاعية، الذي هاجر إليه جده من الخليل قبل ثمانين عاماً هرباً من ثأرٍ عشائري، أن يخطوَ نحو الانسجام مع التزامه الديني، فقرر تحويل انتمائه السياسي والتنظيمي إلى «الجماعة الإسلامية»، وهو الاسم الذي كان يطلق على أسرى الأخوان المسلمين داخل المعتقلات الإسرائيلية. أسهم في هذا التحول بنحو رئيسي معايشتُه لعدد من قادة «المشايخ» ممن تعاقبوا على الاعتقال، وأبرزهم: عبد العزيز الرنتيسي، إسماعيل أبو شنب، نزار الريان، إبراهيم المقادمة، ومؤسس الذراع العسكرية لحماس، صلاح شحادة، الذي ربطته بالجعبري علاقة حميمة استمرت بعد إطلاق سراحهما وكانت مدخلاً للأخير للتدرج في كتائب القسام.
بعد الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية عام 1995، تركز نشاط الجعبري على إدارة مؤسسة تابعة لحركة «حماس» تُعنى برعاية الأسرى (حالياً تحول اسمها إلى جمعية النور)، ثم عمل في العام 1997 في مكتب القيادة السياسية للحركة بالقطاع وذلك من خلال حزب الخلاص الإسلامي المنبثق عنها. إبان هذه الفترة، توثقت علاقات الجعبري بمحمد الضيف وسعد العرابيد وعدنان الغول، وهم من أبرز قادة كتائب القسام، الأمر الذي قاد نحو اعتقاله على أيدي أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عام 1998، على خلفية اتهامه بأداء دور حلقة الاتصال ما بين الجهاز العسكري والقيادة السياسية لـ«حماس».
الموعد الثاني للجعبري مع الحرية كان بداية انتفاضة الأقصى في العام 2000 ، عندما قصفت إسرائيل مقار أجهزة أمن السلطة في قطاع غزة. آنذاك خطا الرجل، الذي تمكن من حجز موقعٍ مقربٍ من شحادة وضيف، خطوات إضافية على طريق الانخراط في العمل العسكري، فأسهم إلى جانبهما في العمل على بناء كتائب القسام وتطوير قدراتها خلال فترة الانتفاضة بالاستفادة من الدعم والتمويل المالي الضخم الذي وضع تحت تصرف قيادتها.
إلا أن المحطة المفصلية في مسيرة الجعبري الجهادية كانت في العام 2003، مع محاولة اغتيال محمد ضيف التي نفّذتها قوات الاحتلال وأدّت إلى إصابته بجروح بالغة تسببت في شلله وعدم قدرته على مواصلة قيادة الكتائب، الأمر الذي دفع نحو إعادة تشكيل المجلس العسكري للكتائب في القطاع، فتم تعيين الجعبري قائداً فعلياً للقسام، لكن في موقع نائب ضيف، الذي أُبقي عليه قائداً فخرياً عاماً. في المنصب الجديد تجلت سريعاً المؤهلات القيادية للجعبري، فبدأت بصماته تظهر تباعاً عبر التغييرات الكبيرة التي أحدثها في بنية الكتائب، محوّلاً إياها من مجموعات ميليشيوية إلى جيش شبه نظامي يتألف من أكثر من عشرة آلاف مقاتل موزعين وفقاًً لهرمية تنظيمية واضحة تضم وحدات من مختلف الاختصاصات القتالية، فضلاً عن ترسانة متنوعة وضخمة من الأسلحة التي يصنع بعضها محلياً.
يُعدّ ملف الجعبري لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية دسماً بامتياز. فلائحة الاتهامات التي يضمها هذا الملف تبدأ بالمسؤولية عن جملة من العمليات النوعية ضد الاحتلال قبل انسحابه من القطاع عام 2005 وبعده، ولا تنتهي عند المسؤولية عن التخطيط للانقلاب الذي قامت به «حماس» في القطاع في حزيران 2007، مروراً بالنظر إليه بوصفه العقل المدبر وراء عملية خطف جلعاد شاليط. بيد أن قيادته التصدي لعدوان «الرصاص المصهور»، الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة تُعد نقطة الذروة في الخط البياني لسجله «الإرهابي» من وجهة نظر تل أبيب، التي لم تألُ جهداً في سبيل تصفية الحساب معه. تعرض الجعبري لعدة محاولات اغتيال من جانب جيش الاحتلال، كان أبرزها تلك التي حصلت في 18 آب عام 2004، حين استهدف منزله بصواريخ موجهة أطلقتها مروحيات أباتشي أدت إلى إصابته بجراح خفيفة، لكنها أدّت إلى استشهاد ابنه الأكبر، محمد، وأخيه وثلاثة من أقاربه.
الجعبري متزوج من ثلاث نساء، آخرهن ابنة عبد العزيز الرنتيسي، أرملة الشهيد علاء علي الشريف، الذي استشهد في إحدى المواجهات مع الاحتلال في غزة. كما أن نجله الأكبر، الشهيد محمد، كان متزوجاً من ابنة صلاح شحادة.