رام الله | خضر البندك، هو الشقيق الأكبر والوحيد للأسير كريستيان عادل اسحق البندك، من مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، الذي التقته «الأخبار» في منزله المتواضع وسط المدينة، بعدما خرج اسم كريستيان أو «كريس»، كما يعرفه أهل المدينة، ضمن الأسرى المنوي الإفراج عنهم في صفقة شاليط، لكنه سيبعد إلى غزة أو خارج الأراضي الفلسطينية.
يحدثنا خضر عن أخيه المحكوم بأربعة مؤبدات من قبل الاحتلال، والمعتقل منذ عام 2003، بتهم القتل وصناعة المتفجرات، وتنفيذ عمليات فدائية في القدس، وعمليات عسكرية مختلفة للمقاومة الفلسطينية، وعن معاناته وباقي أفراد أسرته في غياب
كريس.
«لا تراه، ولا تستطيع التحدث إليه، وهو غائب دائماً عن كل مناسبات العائلة المفرحة والحزينة منها، كما أنك لا تستطيع التوقف عن الفكير فيه، وماذا يفعل داخل السجن، وكيف هي أموره، وصحته»، هكذا وصف خضر بعضاً من معاناة عائلة الأسير.
ويستذكر خضر، خلال حديثه مع «الأخبار»، أن اسرائيل سمحت له بزيارة شقيقه في سجنه ثلاث مرات فقط خلال سنوات اعتقاله، التي تكون عادة لمدة 40 دقيقة فقط، بينما تكون من خلف الزجاج، وعبر الهاتف فقط.
هذه الزيارات يصفها خضر بالمذلة، نتيجة الإجراءات الإسرائيلية التي عادة ما تبدأ عند السادسة صباحاً وتنتهي عند الحادية عشرة قبل منتصف الليل، وهو ما يفاقم معاناة الأهل، وخاصةً كبار السن. الحزن كان بادياً على خضر، رغم نبأ الإفراج عن شقيقه، الذي لم يكن متوقعاً له الخروج من الأسر إلا عبر صفقة تبادل، نظراً إلى حكمه العالي. أما السبب في ذلك، فلأنه سيخرج من الأسر ليصبح «مبعداً»، كما قال شقيقه.
خضر يعتقد بأن إسرائيل تصر على الإبعاد لسبب رئيسي، وهو حرمان الأهل رؤية ابنهم، أو استقباله استقبال الأبطال. «لا أستطيع وصف ما أشعر به»، يقول خضر، فالانتظار الآن حتى لحظة الإفراج عنه، أصعب من كل سنوات الأسر بالنسبة
إلينا.
ويضيف بحسرة «للأسف لا نستطيع الوصول إلى غزة، لو أنه سيبعد إلى تركيا لكنا نستطيع السفر إلى هناك، أما إلى غزة، فممنوع»، لكنه يضيف «رغم ذلك سنقيم له احتفالاً كبيراً في مدينة بيت لحم عند تحريره».
خضر وعمته جمعا الراتب الشهري الذي يحصل عليه «كريس» من وزارة الأسرى، البالغ قرابة 250 دولاراً أميركياً، طوال سنوات اعتقاله، وذلك حتى يتمكن من البدء بمبلغ، ولو بسيطاً، فور خروجه من السجن، وهو ما يعده خضر أقل ما يمكن فعله لشقيقه. عمة الأسير، ندى سعادة البندك (68 عاماً) روت أنها زارته آخر مرة في أيلول الماضي فوجدته هزيلاً وسألته: «لماذا ضعفت هكذا؟ فأبلغها بأنه صام رمضان مع رفاقه في السجن. إنهم إخوتي في كل شيء، ونحن نتشارك في أفراحنا وأحزاننا». وأضافت «كان يطبخ للسجناء، وفي كل مرة كنت أزوره فيها كان يسألني عن وصفات وأكلات ليطبخها لهم».
وذكرت ندى بوفاة خالته فكتوريا التي ربته العام الماضي، وقالت «كانت روحها متعلقة بكريس، وفي آخر مرة زارته فيها كانت مريضة وعلى كرسي نقال، وكانت الزيارة مؤثرة، سيخرج ويفتقدها كثيراً». وأضافت «نحن فرحون لأنه سيتحرر من السجن الثلاثاء، لكن شعورنا هو الغضب الشديد، لأن اسرائيل تريد أن تحرمنا فرحة لقاء أسرانا والاحتفال بهم كأبطال» تقول أليس البندك (70 عاماً)، وهي عمة كريس الثانية.
العمة أليس وصفت الإبعاد والفراق بأنهما مثل السجن، فخلال تسع سنوات من سجن كريس لم تسمح لي إسرائيل بزيارته ولو مرة واحدة، «ويا فرحة ما تمت»، كنا نريد ضمه وتقبيله، اشتقنا اليه، أردنا أن نزوجه ونفرح به بعد هذه السنوات العجاف في الأسر.
وتضيف «نحن نخاف على كريس وكل الأسرى من غدر الاحتلال الإسرائيلي»، نخشى من الانتقام منهم وتصفيتهم في قطاع غزة أو في الخارج، ولا سيما بسبب دوره في مقاومة الاحتلال، إذ كان الأخير عضواً نشطاً في كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وخلال الانتفاضة الثانية عام 2000 شارك في التصدي لاجتياح قوات الجيش الإسرائيلي لمدينة بيت لحم في نيسان من عام 2002، حيث لجأ الى كنيسة المهد مع عدد آخر من المقاومين، وهناك حوصروا، قبل أن يتمكن من التسلل منها مع عدد من الشبان، قبل أن يسقط في الأسر بكمين نصبته له في المدينة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى غرار عائلة كريس، في مدينة الخليل المحتلة، وبالتحديد في بلدة إذنا جنوب المدينة، تنتظر عائلة الأسير أحمد العواودة بدورها خروج رب الأسرة.
وهناك تستطيع تلمس الحسرة والمعاناة رغم الفرحة البادية على الوجوه، مع أن الأب تشمله صفقة الأسرى، ذلك أن هناك طفلة في الثانية عشرة من عمرها، لم تعرف والدها سوى من وراء القضبان، أو الزجاج في سجون الاحتلال.
إنها الطفلة آمال العواودة التي لم يحضنها والدها، بل ولم تحظ بقبلة والدها على جبينها، لذلك فإن فرحتها تكاد لا توصف لأنه سيصبح لها أب كسائر الفتيات من عمرها.
آمال انتظرت خروج والدها من السجن بفارغ الصبر، لأنها كانت تشعر بالأسى عندما يزور الأباء بناتهم في المدرسة، بينما والدها هي في الأسر، لكنها كما تقول، منذ الآن كلمة «يابا» لن تفارقها، وستطلب منه كل ما كانت تتمناه، فيما تستطيع أن تشعر بسعادتها الغامرة لأن والدها سيعيش بينهم من جديد.
أما الزوجة أم صلاح، فتؤكد أن عيد الأضحى هذا العام سيكون مختلفاً، لأن زوجها سيعيد البسمة إلى وجوه أبنائه بعد غياب دام 12 عاماً في سجنه، وهم قضوا هذه السنوات بدونه، «لقد كنا دائماً نعيش على أمل الإفراج عنه، نترقب ساعة إتمام الصفقة لتشمل زوجي».
الزوجة تتمنى أن تودع أيام الحرمان والأسى والذل على وجه الخصوص، الذي ذاقته خلال زياراتها له، «لم أذق طعم الفرح بدونه، فقد زوجت بناتي ومرت علينا مناسبات كثيرة لكني لم أشعر فيها بالسعادة».
زوجة العواودة شرعت بإجراءات الاستقبال، التي تليق برب الأسرة، بينما المنزل كان يعج بالمهنئين بالإفراج القريب عن الأسير. ورغم الفرحة، تستطيع أن تلمس أسف العائلة تجاه بقية الأسرى الذين لم تشملهم الصفقة، رغم تضرعهم إلى الله بأن يفك أسرهم هم الآخرين بأسرع وقت، كي يحظى الجميع بعودة ذويهم إليهم ويكونوا بينهم.
الانتظار ثم الانتظار ثم الانتظار، هو ما بقي لعائلات الأسرى، رغم أنه يبدو الأطول لهم على الإطلاق، فانتظار المحررين، على أمل اللقاء بهم، أو انتظارهم ليجري إبعادهم دون رؤيتهم، أو انتظار خروجهم من الأسر الإسرائيلي مهما كان مصيرهم بعد ذلك، هذا ما يدور في أذهان وعقول عائلات الأسرى الفلسطينيين بانتظار موعد الإفراج، وإتمام الفصل الأول من صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.