على عكس العادة، كانت مقاهي مخيم البداوي شبه خالية أمس من روادها، والحركة في الشارع الرئيسي خفيفة. الجميع مشغولون بمتابعة تفاصيل إطلاق الأسرى عبر شاشات التلفزة. أمر كان يمكن القيام به في المقاهي، لكن انقطاع التيار الكهربائي وعدم تشغيل المولدات الخاصة جعلا غالبية أهالي المخيم يمكثون في بيوتهم لهذا الغرض.
قلة من أهالي المخيم حضروا في الشارع أو المقاهي. أحدهم لم يتمالك نفسه من إجراء «حسبة بسيطة»: «خطف جندي حرّر ألف أسير فلسطيني. فإذا خطفنا 8 جنود صهاينة فسنحرر جميع أسرانا».
هذه المقاربة المُبسّطة يراها عبد الرؤوف السعيد، صاحب مكتبة في المخيم والعضو في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من زاوية أخرى، إذ إن «الصهاينة يعطون أهمية كبرى للعنصر البشري». لكنه يشدد على أن «الصهاينة لا تنفع معهم إلا لغة القوة والمقاومة، والقضية لا تحلّ إلا باقتلاع هذا الشعب الذي احتل أرضنا واقتلعنا منها».
محمد حمدان الذي تجمّع مع رفاق له على رصيف أحد المقاهي يرى أن العملية «إنجاز كبير لسواعد المقاومة الفلسطينية التي نوجه إليها شكرنا، مع تحية خاصة لأحمد سعدات ومروان البرغوثي». ومع أنه أبدى ارتياحه لما أنجز، فإنه كان يتمنى لو لم تحصل «الموافقة على إبعاد بعض الأسرى خارج فلسطين».
زياد شتيوي، الرجل الخمسيني، يرى أن العملية «خطوة مباركة للمقاومة الفلسطينية»، شاكراً «الدعم الذي تلقته من المقاومة في لبنان على يد السيد حسن نصر الله». لكنه يتمنى «لو لم يرضخ المفاوض الفلسطيني لضغوط الإسرائيليين بإبعاد بعض المحررين، والتمسّك بالإفراج عن سعدات والبرغوثي وقيادات في حماس».
أحد السكان الذي فضّل عدم ذكر اسمه، رأى أن «الفرحة ناقصة، لأن من أُفرج عنهم ينتمون بأغلبيتهم إلى فصيل فلسطيني واحد»، وهو ما يخالفه أبو علي فارس، مسؤول جبهة النضال الفلسطيني في المخيم، الذي يرى أن المحررين «ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية كافة»، متسائلاً: «ماذا نفعل إذا كان أسرى هذا الفصيل أكثر من أسرى الفصيل الآخر؟!».
مكتب حماس في المخيم شُغل منذ صباح أمس بتحرير الأسرى، بعدما وجد مناصرو الحركة أنفسهم «أمّ الصبي»، فرفعوا اللافتات وأقاموا «حواجز محبة» وزّعت الحلوى على المارة، فيما جابت سيارات الشوارع وهي تبثّ أناشيد ودعوات إلى المشاركة في مسيرة جماهيرية انطلقت عصر أمس، فضلاً عن تأدية صلاة شكر في مسجد زمزم المجاور.
مسؤول الحركة في الشمال جمال شهابي رأى أن «الصفقة وحّدت كل أطياف الوطن في الداخل والخارج، وأنها كانت نموذجاً للتلاحم الفلسطيني»، لكنه لم ينكر أن «الفرحة لم تكتمل، لأنه لا يزال هناك أسرى فلسطينيون خلف القضبان».
وفي مخيم البارد، كانت كل الدلائل، منذ الصباح، تشير إلى نهار غير عادي. لافتات رفعت في الشوارع كتب عليها «بالمقاومة نحرر أسرانا» و«المقاومة طريق الانتصار»، فيما وزعت الحلوى في الشوارع.
لم يذهب سمير داوود (عامل التلييس) إلى عمله، بل لم يذهب إلى حضور جلسة في المحكمة، متنازلاً، كما قال، عن حقّه في قضية كان سيربحها، وآثر أن يقدم «هذا الحق هدية للأسرى المحررين ولباقي الأسرى على أمل تحريرهم في صفقات مقبلة». اليوم فقط «يشعر أهل البارد أنهم خارج السجن» الذي تسبّبه الإجراءات الأمنية حول المخيم.
عبد الناصر مصطفى جلس في محله، لكنّ زواره لم يكونوا زبائن، فقد جلسوا إلى جواره يقلّبون محطات التلفزة ليتابعوا أحدث مراحل عملية التبادل. بدا بشار نصار قلقاً بشأن إطلالة الدفعة الثانية من الأسرى المشمولين بالصفقة، لأن «الإسرائيليين لا يؤتمنون»، ولم ينس آلاف الأسرى الباقين في السجون، قائلاً «يلزمنا ستة جلعاد شاليط لتحريرهم». فيردّ جمال الخطيب «الله يقدّرنا نأسر أكثر من هيك»، مذكّراً بأن «إسرائيل حاولت بكل جبروتها، وعلى مدى خمس سنوات، أن تتملص من الصفقة وتسترجع شاليط بالقوة، ولكنها فشلت، وهذا إنجاز بحد ذاته، يسجل لشعبنا ومقاومتنا».