«بعد سقوط حسني مبارك وزين العابدين بن علي بداية العام الجاري، دعا الأمير نايف بن عبد العزيز بعض الإعلاميين ورؤساء التحرير إلى منزله في الرياض، حيث وعظهم في موضوع الثورات العربية المشتعلة. وفي الجلسة، شرح الأمير كيف أن التونسيين هم أساساً فرنسيون، ووصف القاهريين بأنهم حَضَريون غير موثوق بهم، بينما أكّد أن السعوديين عرب أصيلون كيّفوا نظامهم السياسي التقليدي مع الظروف المختلفة»، هذا بعض ما نقله مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نيل ماكفاركر أمس عن الأمير السعودي وليّ العهد المرتقب. ماكفاركر يضيف في مقاله عن تلك الجلسة أنه «عندما سأل أحد الصحافيين عن إمكان تحسين العلاقة مع «الإخوان المسلمين»، استشاط الأمير غضباً ولام الصحافي بشدّة، متهماً إياه بالمتعاطف مع الإرهاب، ثم راح يتكلم عن المؤامرات التي يتعرض لها أبناء آل سعود... والعظة امتدت حتى الرابعة فجراً». «يقول العارفون إن الأمير نايف ثابت في آرائه ومتشدّد في الدفاع عن العائلة المالكة وحكمها، لذا تراه شديد العداء لإيران، والشيعة والمتطرفين الإسلاميين»، ينقل الصحافي الأميركي. وضع الإعلام الغربي في مواكبته خبر وفاة وليّ العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، منذ أيام، عدداً من علامات الاستفهام بشأن مستقبل العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، في ظل الوضع الاستثنائي الذي يعيشونه: الشيخوخة والمرض والتوازنات والحسابات الملكية داخل العائلة... أسئلة كثيرة طُرحت وارتبطت بتداعيات «الربيع العربي» على قرار من سيحكم السعودية في السنوات المقبلة. لكن ورود اسم الأمير نايف بن عبد العزيز على أنه الخيار الأوفر حظاً لمنصب وليّ العهد، أي لتسلّم السلطة لاحقاً في البلد، أثار الريبة عند البعض.
فالأمير، حسب معظم الصحافيين والمتابعين، هو «متشدّد» و«وهّابي نموذجي»، وهو من جابه «الربيع العربي» بقسوة وأرسل الدبابات لقمع احتجاجات البحرين، وهو من يقف دائماً ضد إعطاء مزيد من الحقوق للنساء. فهو «منفتح ظاهرياً فقط»، كما يوضح مقال الـ«تايمز». الصحيفة استعانت بوثائق «ويكيليكس» من الرياض، والتي تصف نايف بـ«المحافظ البراغماتي، المؤمن بأن الأمن والاستقرار ضروريان للحفاظ على حكم آل سعود وتوفير التقدم للمواطنين السعوديين». وثيقة «ويكيليكس» تصف أيضاً شخصية نايف المتبدّلة فهو: «مراوغ، غامض، براغماتي، محدود الأفق، داهية وصريح». أما صحيفة «غارديان» فتصف الأمير نايف بـ«المقرّب من المحافظين الإسلاميين المتشددين»، وتقول إنه هو الذي قاد العمليات العسكرية ضد الاحتجاجات في البحرين. «لوموند» الفرنسية، من جهتها، تقول إنه حان الوقت لبحث قضية التوريث وتداول السلطة داخل العائلة المالكة التي بات معظم أفرادها متقدمين في السن، مشيرة إلى أن باقي العائلات والفروع تترقب الوصول إلى منصب وليّ العهد منذ زمن. الصحيفة الفرنسية ترى أن تعيين وليّ عهد جديد في هذه المرحلة بالذات «هو اختبار لمدى قوة الإخوة السديريين وتأثيرهم داخل المجموعة الحاكمة»: ماذا لو عيّن أحد أبناء الأمراء ولياً للعهد؟ هل تنتقل السلطة إلى الجيل الثاني؟ تسأل الصحيفة، مشيرة إلى أن «ذريعة» التحركات الشعبية المجاورة و«الربيع العربي» ستريح المحافظين داخل المجموعة الحاكمة.
«الربيع العربي» تحديداً هو ما شغل المعلّقين، إذ ربطوه بمجيء أمير محافظ إلى حدّ التشدد، وهو الأمير نايف، الرافض للتحركات الشعبية المحيطة به.
«مهمة الأمير نايف ستركّز على اجتياز «الربيع العربي»، يقول بروس رايدل من معهد «بروكينغز» للدراسات. فمحافظو السعودية «غاضبون من الولايات المتحدة لدعمها سقوط نظام حسني مبارك. وهم أوعزوا إلى الملك الأردني بأنهم لا يريدون أي تحرّك في محيطهم، كما يعملون على الإتيان برجل صلب يمسك السلطة في اليمن... وهم يريدون من الولايات المتحدة أن تتولى أمر إيران و«القاعدة»، يضيف مقال «بروكينغز». رايدل يستخلص أن «عهد نايف قد بدأ منذ فترة، إذ إن مرض الأمير الراحل سلطان والملك الحالي عبد الله غيّبهما عن الحكم الفعلي»، لذا يدعو «الولايات المتحدة إلى البحث عن أرضية مشتركة مع وليّ العهد الجديد رغم الخلافات الموجودة». وفي هذه النقطة، يؤكد جو ألترمان من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنه رغم تباين النظر الحالي بين السعودية والولايات المتحدة، سيتجه «الأمير نايف، إذا أصبح ملكاً، نحو تمتين العلاقة مع الولايات المتحدة في السنوات المقبلة من دون شكّ».
«نميل غالباً إلى تصنيف الحكام السعوديين بليبيراليين أو محافظين، متشددين دينياً أو معتدلين، موالين أو معارضين للولايات المتحدة... لكننا غالباً ما نكون مخطئين، لأنهم فعلياً يبدّلون الأدوار حسب الظروف الحاكمة»، يعلّق غريغوري غوز في «نيويورك تايمز».